القمر والاحتشاد الجمالي في التصويرة العربية |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : علي محمد القيسي
ويعود أصل هذا المفهوم إلى مدارس الزن البوذية، حيث وجد الرهبان الجمال في الطبيعة المتغيرة باستمرار وفي الأشياء التي تحمل آثار الزمن، "والقمر واحد من هذه المضامين المتغيرة ضمن هذه الثقافة، استحوذ على مساحة كبيرة جدا من تفكير الشعراء، سواء في اليابان أو في بقية أنحاء العالم، فلا يمكن أن تخلو شعرية من التغني بالقمر وجماله، نظراً للعفوية المطلقة فيه، يقول شاعر الهايكو ومؤسسه "ماتسو باشو":
نهضت تسع مرات لأعشق القمر" ففي كل مرة ينهض ليرى القمر يكون في حالة عشق جديدة .
"اللص سرق كل شيء ، ما عدا القمر على النافذة" . هذا الوجود الباعث للعشق في ظهوره المكتمل يقابله احتجاب، لتكون القصائد متغيرة وباعثة للجمال السلبي، لذا؛ نجد بعض الشعراء يتبارون في حجم الحزن الذي تبثه العتمة في نفوسهم. ووفق تلك المعطيات ارتأيتُ أن من الضروري الإشارة إلى نص الكاتبة اللبنانية "ازدهار قوتة" التي اشتغلت على هذه التقنية في نصها: "ليل الشتاء؛ غرزتان ويكتمل القمر!" فالمشهد الأمامي لهذا النص هو "ليل الشتاء"، وهو كافٍ لإدراك مدى حالة الكآبة التي تشعر بها الكاتبة، وكذلك العزلة التي تعيشها، أما المشهد الثاني فهو مبتكر، فالقمر فيه صناعة بشرية، حيث تصور هذا المشهد من أمام "طار التطريز" في المنزل، إذ لم تتبق على اكتمال القمر الذي تغزله بإبرتها في تلك الليلة الشتوية سوى غرزتين. إن النص الباعث على الجمال يجب أن يكون عفويا بامتياز، فهو يغني اللحظة الطفولية حد الإشباع، فإذا كان الطفل يرسم القمر بتلك البهجة، فإن الكاتبة اختارت تطريزه، وكأنها ذلك الطفل الذي يرسم القمر. وبعيدا عن ليل الشتاء يأتي نص "تغريد نديم عمران" من سوريا حول غياب القمر، وكأنها لا تتحدث عن القمر بل عن الفقد بتصوير القمر، هذا الفقد الذي لا يستمر طويلا إلا عند شاعر التصويرة، وهو غياب اللحظة التي تمنح الموقف أزلية، فكلما قرأنا النص سنشعر بهذا الفقد، تقول:- "ليلة المحاق؛ لم يكن سهلا أن أصف القمر لضرير" جاء في المشهد الخلفي "ليلة المحاق"، وهي الليلة التي يختفي فيها القمر، وسمي بالمحاق لانمحاق لونه، هذا التغيير الذي عز على الكاتبة أن يمر دون تدوين، ليكون مشهدها الثاني/الأمامي، وهي تحاول أن تبرر هذا الغياب أو الانمحاق لضرير، وإن كنتُ حقيقة لا أشعر بوجود الضرير في النص، وإنما – كمحاولة تأويلية – استلهمت الشاعرة حضوره "كمحاولة تبريرية"، لتصف شعورها بالعتمة في ظل غياب القمر...
لم تغب المفارقة عن مشهدية القمر لدى الشاعر العربي، فقد وجد شفيق درويش في القمر موضوعا يعبر عن الحالة الجمعية في مدينته "برشين" في الشتاء، نتيجة البرد، وانتشار الزكام، وطريقة مسح الأنوف من قبل عامة السكان، فذكر مفارقة ضخمة تصف هذه الحالة: "شتاءُ برشين - لو كانَ للقمرِ كمٌّ لمسحَ أنفَهُ هو أيضاً" وهو أسلوب شيق، ومفارقة في استخدام القمر كمادة شعرية، فقد صوره أيضا مصاب بالزكام، لكنه دون أكمام كبقية المصابين، فلن يتمكن من مسح أنفه. وهي محاكاة لنص باشو الذي جعل لقرن الفلفل أجنحة ليتحول إلى يعسوب،
مقبض أي مروحة بديعة سيكون!"
"على الشجرة هناك دائما متسعا لجلوس القمر" نعيم الصياد *** "زقاق قديم؛ على بيت الجار يحط القمر وحده يعتلي قمة الجبل" سعد برغش *** بين السِّمَاكَين يحجبُ القمر إصبعي" *** رزاق العيساوي *** "ليلةٌ مقمرةٌ مطبقٌ صمتُها أرجوحَةُ البيلسَان" مانيا فرح *** "تحت القمر المكتمل أجمل بكثير القارب القديم " سعد قليمس *** "في باحة الدار تتساقط أوراق الليمون بصمت على ضوء القمر" ماهر حرامي *** "بعيون الأمس أتأمل قمر الليلة" مريم لحلو *** "من الشرفة هذا الليل مثقوب بالقمر" نضال حرب *** "دَّلوُ مُمتلئُ رُويداً رُويداً يَطفُو القَمَر"
*** "شبر واحد يفصل القمر عن شجرة اللوز !" موتشاوي عبد الحق *** "كُلّمَا تَراءى القَمر يُعيدُ تَدوينَ قَصيدتَهُ الأَخيرة" منال القاسم *** "خلف الحاجز الأمني ينتظرني ؛ وجه القمر " رائد طياح-فلسطين.
|
المشـاهدات 175 تاريخ الإضافـة 12/08/2024 رقم المحتوى 51210 |