الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
تقاسيم على الهامش # عبد السادة البصري (( كتبٌ على الرصيف...!!))
تقاسيم على الهامش # عبد السادة البصري (( كتبٌ على الرصيف...!!))
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

في تسعينات القرن المنصرم ونتيجة للحصار الظالم الذي فرض على الشعب من قبل الطاغية ومناوئيه من الحكومات العربية والأجنبية ، باع اغلبنا بعض ما في مكتبته من كتب ومجلّات وغيرها ، حيث اقتعدنا الأرصفة فارشين كتبنا للبيع رغم ما في نفوسنا من غصّة وألم !!

هذه الظاهرة أنتجت أدباً مغايراً سجّل أحداث تلك الفترة ما لها وما عليها، وصار بعض أصدقائنا محطة لقاءات لنا عند بسطيّاتهم المكتبية ،حيث نلتقي لنتبادل الكتب والآراء والأفكار ونطرح بعض ما قرأناه خلال الأيام المنصرمة !!

عدت بذاكرتي وأنا أتجوّل عصر كل جمعة بين أروقة شارع الفراهيدي الثقافي متوقّفاً هنا وهناك بين أكشاك الأنتيكات والقرطاسية وألعاب الأطفال وبعض المأكولات التي تنتجها وتبيعها  نساء عركتهنّ الحياة فصار لزاماً عليهنّ أن يتغلّبن عليها بالعمل وكسب قوتهنّ من كدِّ أيديهنَّ خلافاً للفاسدين أصحاب المناصب والكراسي المتكرّشين من السحت الحرام بعدما سرقوا ابتسامة الطفلة وهي في حضن أمّها !!

وأكثر وقوفي يكون عند المكتبات ابتداءً من المكتبة الكسنزانية والدروايش وصولاً إلى آخر مكتبة قرب مسرح الفراهيدي لأقف منصتاً ومستمعاً لما يدور عليه من كلام في هذه المحاضرة وتلك بشتى الاتجاهات والرؤى ، قبل أن أعود لأجلس على كراسي العم أبي سجّاد بائع الشاي والقهوة أرتشف فنجاناً وأنا استمع إلى أنغام وأغاني فرقة قصي البصراوي الموسيقية  بصوت المطرب جبّار السعد التي يتجمّع عندها أكثر مرتادي الشارع من جميع الفئات والأعمار وهم يشنّفون أسماعهم بالموسيقى وكلمات الأغاني السبعينية الجميلة ، ومسجّلاً لحظات صورية رائعة بعدسة المصوّرين جاسم بصراوي وبهاء البدران  !!

لكن وللأمانة أقول :ــ تستوقفني دائماً مكتبة الشاعر توفيق الجزائري لما لها من ميزة خاصة ، وهي تجمّع الأدباء من الفئات العمرية كافّة عندها وتبادلهم الآراء والأفكار واهداءات الكتب وغيرها ،رغم أن هناك أخريات مثل مكتبة الطفل للكاتبة والتشكيلية خلود البنّاي ومكتبة الشاعر علاء ناظم وما إلى ذلك من أكشاك ترسل نغمات قديمة متمثّلة بالأغاني العراقية القديمة وأم كلثوم وعبد الحليم وفريد وغيرها !!

مكتبة توفيق الجزائري تعيد ذاكرتي إلى أيام التسعينات وكيف كنّا نتجمّع عند بسطيّة أحد أصدقائنا التي يبيع فيها الكتب في شارع الكويت أو شارع الوطن ، حيث نتبادل الكتب والاهداءات والأخبار وغيرها عند الجزائري ، كما أصبحت محطة بريدية لنا إذ نترك كتبنا أو ما نريد إيصاله إلى الآخرين من زملائنا وأصدقائنا عنده ، كذلك نشير على من يريد أن يبعث لنا كتاباً ما أن يتركه عند مكتبة الجزائري ، إذ صار محطة ومحجّة لنا كل جمعة كما كشك ناصر أبو الجرايد ( رحمة الله عليه ) كان وما يزال بوجود ابنه علي محطّتنا البريدية في كل وقت !!

يستقبلك الجزائري بابتسامته هاشّاً وباشّاً ومرحبا قائلاً :ــ لك مظروف تركه الكاتب فلان ، أو جاءتني كتب اهداءات لكم وهكذا ، لذلك كلّما ازور شارع الفراهيدي وأتمشى بين أكشاكه  لابدّ أن أتوقف عند مكتبة الجزائري مسلّماً على الأحبة المتواجدين عنده وسائلاً عن كتب ما ومقلّباً بعض ما فيها دائماً !!

شكراً للجزائري توفيق وهو يلمّنا كل جمعة عند مكتبته ليرجعنا بالذاكرة إلى أصدقاء وزملاء كانوا يفترشون الرصيف ليبيعوا كتبهم وكتبنا أيام الحصار اللعين ، وشكراً للقائمين على شارع الفراهيدي وهم يمنحوننا فسحة التجوال والتصفّح والتأمل والاستماع إلى الموسيقى ولقاء الأحبة كل جمعة ، لتظلّ ظاهرة الكتب على الرصيف قائمة في كل وقت كونها دليل عافية ثقافية ومعرفية رغم ما يحصل من تجهيل للأفكار وغسل للعقول بالخرافات والوعود المعسولة .

 

 

المشـاهدات 67   تاريخ الإضافـة 08/09/2024   رقم المحتوى 52989
أضف تقييـم