الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
تقاسيم على الهامش # عبدالسادة البصري (( هل قراءتنا حقيقية ومنتجة ؟؟!!))
تقاسيم على الهامش # عبدالسادة البصري (( هل قراءتنا حقيقية ومنتجة ؟؟!!))
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

في كلّ دورة لمعرض كتاب هنا أو هناك  ،كما في كلّ جلسة أو عند تجوالي في شارع الفراهيدي الثقافي وغير ذلك ،وانا انظر الى المتهافتين على طلب هذا الكتاب وذاك من المؤلف مع توقيع اهدائه ، أتساءل في قرارة نفسي :-

هل يقرؤون هذه الاصدارات حقاً ، أم أنها لتجميل مكتباتهم فقط ،وجمع اكثر عدد ممكن من الكتب ؟

وأتساءل ايضاً :- اذا كانوا يقرؤونها فهل قراءتهم هذه منتجة ام يمرّون كسحابة صيف ، يتصفّحونها فقط؟ كما تساءلت :- هل الطلّاب حالياً يقرؤون كما كنّا سابقاً ؟!

وانا غارق في تساؤلاتي عدت بذاكرتي الى

أوائل سبعينيات القرن الماضي ، حينما كنت طالباً في المتوسطة ، حيث ارتأيتُ أن أراجعَ دروسي اليومية في مكانٍ بين النخيل  على ضفة شطِّ العرب، وآخر قرب النهر المحاذي لبيتنا أيضاً . في هذين المكانين قرأت إضافة للمناهج الدراسية قصصاً ورواياتٍ عربيةً وعالمية ، كذلك الشعر الجاهلي وما تلاه من عصورٍ وصولاً إلى السيّاب ومعاصريه ، وبعض الشعر العالمي  . كنت أقرأ بنهم كلّ ما يقع تحت يدي من كتبٍ ومجلّات ، أشتري البعض منها من المكتبات الأهلية الموجودة في مركز قضاء الفاو بالاضافة الى مواظبتي على القراءة في المكتبة العامة أيام العطلتين الربيعية والصيفية ، وأستعير من مكتبة المدرسة - كان ثمّة مكتبة في كل مدرسة - أو من بعض زملائي الذين أصابهم فايروس القراءة أيضاً  . جعلتُ من هذين المكانين محجّةً ثابتةً حيث صارا أثراً للناظر ،  فعرفهما كلّ أبناء قريتنا وسمّوهما بإسمي !

كانت الكتب تصلنا عبر المكتبات الأهلية التي قاربت الثماني مكتبات  ، إضافة إلى المكتبة العامة حيث  أتردد عليها من وقتٍ لآخر أقضي الساعات فيها غارقاً بين المصادر والمراجع باحثاً عن الفائدة العلمية والمعرفية ، كنّا وقتها ورغم صِغَرِ أعمارنا نُجهد أنفسنا بالقراءة والبحث في  المجلّات والكتب الأدبيّة والفنيّة والعلميّة والتاريخيّة ، لم نترك كتاباً نحصل عليه  إلاّ و نقرأه ثم نتناقش بما جاء فيه ، كما كان البعض من مدرّسينا يحثّوننا على القراءة الخارجية أيضاً ، كنّا وقتها نتباهى فيما بيننا بما نقرأ ونذكّر أحدنا الآخر بالكتاب الفلاني والمرجع كذا وكذا ، لهذا طرقنا أبواب الكتابة بكل فنونها مبكّرين ، صرنا نعشق الأدب والمسرح والموسيقى والرسم وكلّ ما له صلة بصناعة الجمال ، كنّا نتباهى بما نحمل من كتب ونحن نمشي في الأسواق أو نجلس في المقهى نقرأ ولا نضيّع وقتاً أبدا ، في الشارع ، في البيت ، في السيّارة ، في المقهى ، وفي العمل ساعات الاستراحة تجدنا نقرأ بنهم !!

هذه كانت ميزة جيلنا والأجيال التي سبقتنا ، بحيث صار ومايزال الكتاب خير جليس لنا فعلاً في السرّاء والضرّاء وطبّقنا المثل الذي كنّا نسمعه ــ القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ ــ علينا كأجيال وسمتها القراءة والبحث عن المعرفة بميسمها ، فصار الكتاب لصيقاً بنا في كل حين !!

استذكرت تلك الأيام وأنا أتساءل :ــ أما زلنا نقرأ حقاً؟!

لم أقصد بتساؤلي هذا جيلي وما سبقني ، بل الأجيال اللاحقة التي ولدت إبّان أتون الحروب والحصار والتغيير واستشراء الفساد الإداري والمالي، إذ تجدهم ــ لا أقصد الكل طبعاً ــ بعيدين كلَّ البعد عن الكتاب ، حتى إنّ بعضهم يستنكف من حمل الكتب المدرسية ويستعيض عنها بدفتر كشكول ، يكتب فيه كل شيء  !!

الغالبية منهم الآن شغلهم الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي فصاروا في شغل عن القراءة وجماليّة الكتاب ، وأخذ بعضٌ من المحسوبين على أجيالنا بالاستعاضة عنه أيضاً ، والتصفّح في الانترنت والاطّلاع بشكل سريع على هذا الإصدار وذاك دون أن يحملوا أنفسهم عناء القراءة والبحث !!  شبابنا الآن مسحورون بمقاهي الاركيلة وتصفّح ألنت والدردشة دون وعيّ وبلا معرفة  ، انحسرت الثقافة العامة والمعرفة الكليّة لكلّ جوانب الإبداع ، كما انحسرت القراءة ولم نجد مكتبات مدرسية أيضاً  ، فباتوا مهووسين ببعض القصائد العامّية المليئة بالإسفاف والرداءة تاركين ما تنمّ عن وعي كبير وثقافة عالية ، ولا يقتربون من الفصيح بكل أشكاله ، وحتى الدراما التلفزيونية صاروا لا يتابعونها !!

التفاتة قصيرة إلى الوراء نبصر أين كنّا وعياً ومعرفةً في كل الفنون ، وبمقارنة بسيطة على ما فيه شبابنا الآن نصفق كفاً بكفٍ حسرةً وآهةً على ما جرى ويجري من تجهيل للوعي والمعرفة ومحاولة طمس كل ما يُحرّك العقل نحو الخلق وصناعة الإبداع والجمال !

 الاهتمام بالشباب والنشء الجديد وحثّهم على القراءة ضرورة تقع على عاتق الآباء والمدرسين وأساتذة الجامعات والقنوات الفضائية ومنظمات المجتمع المدني والعمل على توعيتهم بكل ما نستطيع من قدرة إقناع لأنهم  مستقبل الوطن ولنجيب بصوت واحد :ــ سنظل نقرأ مهما كانت الظروف ، لأن بالقراءة تتفتّح العقول وتنضج  !!

المشـاهدات 64   تاريخ الإضافـة 15/09/2024   رقم المحتوى 53460
أضف تقييـم