النـص : البطانة أو الحاشية هم فئة قليلة تحيط بالمسؤول وهم الأقرب إليه، فهم الدائرة المحيط به وأصحاب الحظوة عنده، فهم المقربين وأصحاب المشورة، وهم أهل الثقة عنده وغالباً ما يكونوا منافقين وأفاقين خصوصاً في وقتنا الحاضر، فكل مسؤول عندما يتولى منصباً ما يصنع له حاشية، وإذا كان عنده منصب سابقاً ثم ترقى أو تحول إلى منصب آخر يستهل مشوار عمله بالإطاحة بحاشية المسؤول السابق خلال الأيام الأولى من عمله ويسحب حاشيته معه أو يصنع حاشية جديدة له وهذا الواقع ينسحب على الكثير من المسؤولين من أعلى منصب في الدولة إلى أقل منصب إلا ما ندر، ويا ليت كانت هذه الحاشية بطانة صالحة، فآفة الدول في العالم الثالث هم بطانة السوء التي تحيط بالحاكم والمسؤول فهم يقربون له البعيد ويبعدون عنه القريب، ويمارسون الكذب والنفاق والتدليس وتزوير الحقائق، فكم من دولة انهارت وحكومة زالت نتيجة البطانة السيئة التي تحيط بالحاكم ، فهم يصورون للحاكم أن الحياة وردية، وأن الوضع على أفضل ما يكون، وأن الناس تعيش بنعيم، وترفل بالعز، فيرفعون التقارير التي تظهر أن كل شيء على ما يرام وأن الناس تدعوا للحاكم أو المسؤول بالبركة وطول العمر وما ذلك إلا كذباً وتدليساً وتزويراً للحقائق وتزييفاً لها، فأي مجتمع الحاكم والمسؤول فيه لا يقرب منه سوى سيء الخلق والمنافق والمدلس والكاذب فالنتيجة المؤكدة والحتمية لتقريب هؤلاء هو انتشار المحسوبية والفساد والرشاوى، لأن البطانة السيئة لا يهمها إلا مصالحها الخاصة أما المصلحة العامة فهي ليست من اهتماماتها. لهذا حذر الرسول عليه السلام من بطانة السوء فقال: "ما استخلف خليفة إلا له بطانتان؛ بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله" ومما يُحكى عن الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز أن ابنته دخلت عليه تبكي في أول أيام العيد وكانت طفلة صغيرة آنذاك فسألها: ماذا يبكيك. فردت: كل الأطفال يرتدون ثياباً جديدة وأنا ابنة أمير المؤمنين ارتدي ثوباً قديماً! فتأثر والدها الأمير لبكائها وذهب الى خازن بيت المال وسأله: أتأذن لي أن أصرف راتبي عن الشهر المقبل؟ فقال له الخازن: ولم يا أمير المؤمنين؟. فحكى له حاجة ابنته، فقال الخازن: أوافق ولكن بشرط، فسأله عمر بن عبد العزيز عن هذا الشرط؟ فقال له الخازن: أن تضمن لي أن تبقى حياً حتى الشهر المقبل لتعمل بالأجر الذي تريد صرف راتبه مسبقاً. فتركه عمر وعاد ليسأله أبناءه: ماذا فعلت يا أبانا؟ فقال: أتصبرون وندخل الجنة معاً. أم لا تصبرون ويدخل أبوكم النار؟ فقال الأبناء: نصبر يا أبانا. فمن أين هؤلاء نعجب من حاكم زاهد، وخازن مال أمين، وأبناء اتقياء أبرار! فالبطانة هم همزة الوصل أو همزة القطع بين المسؤول والرعية إما أن تكون جسراً للتواصل بينهما أو حجاباً من الأسوار بينهما، لذا يرى أبو عبد الله محمد بن علي بن الأزرق في كتابه: (بدائع السلك في طبائع الملك) أن السلطان كالطبيب، والرعية كالمرضى، والوزير كالسفير بين المرضى والأطباء. فإن كذب السفير فقد بطل التدبير، وكما أن السفير إذا أراد أن يقتل أحدا من المرضى وصف للطبيب نقيض دائه، فإذا سقاه الطبيب على صفة السفير هلك العليل، كذلك الوزير ينقل للملك ما ليس في الرجل فيقتله، فآفة مجتمعاتنا هي بطانة السوء التي تحيط بالحاكم والمسؤول والتي لا يهمها إلا مصالحها فقط حتى لو مات الشعب بأكمله أو ضاعت حقوقه.
|