النـص : حزب الله يمتلك أضعاف ما تمتلكه الفصائل المسلحة في العراق من أسلحة وعتاد ومع ذلك استطاعت إسرائيل أن تستهدف قادته حتى الخط الثالث مما يؤشر إلى وجود عملاء داخل الحزب. الحديث عن ضربات عسكرية إسرائيلية داخل العمق العراقي ليس جديدا. بدأه مسؤولون إسرائيليون وعززه بنيامين نتنياهو حين توعّد في أيلول/سبتمبر 2018 بمكافحة إيران في العراق ولبنان.حينها جرى حديث لا يخلو من اتهام إسرائيل من قبل قادة ومسؤولين عسكريين بعد حادثة قصف معسكر آمرلي للحشد الشعبي بطائرات مجهولة، عززتها نظريات تؤكد أن الضربات تحمل بصمات إسرائيلية قبل أن تتدارك السلطات العراقية الموضوع في تقريرها النهائي وتنسب الخطأ بحادثة منطقة آمرلي إلى احتراق الوقود الصلب الذي أدى إلى جريحين دون قتلى. لكن ذلك التقرير لم يمنع الإيرانيين من تشييع أحد قتلاهم الذي قضى نحبه في تلك الحادثة.سواء كانت الضربات تتم بمشاركة من طائرات إسرائيلية أم لا، فإن تلك الضربات كانت إلى وقت قريب ضمن الحدود التي لا تتجاوز معسكرات للحشد الشعبي أو أماكن تخزين عتاده حيث لا تتعدى أكثر من ذلك.وتبرير ذلك أن الفاعل الرئيسي، ونقصد به أميركا، كان يرسم الخطوط الحمراء للسلاح الإسرائيلي بعدم تجاوز المسموح به. فأميركا بالنهاية هي حامي النظام السياسي في العراق وطالما تبجّحت بوجود علاقة تعاون إستراتيجي وأمني بين البلدين. لكن خيوط اللعبة تغيرت كثيرا وأصبح من الواضح أن إسرائيل لم تعد تنصاع للأوامر الأميركية أو حتى لرغبات واشنطن.ما حدث من اغتيال لإسماعيل هنيّة رئيس حركة حماس في طهران وآخرها اغتيال حسن نصرالله يؤكد باليقين أن إسرائيل لم تعد حتى تستشير الولايات المتحدة في قراراتها، بل راحت أبعد من ذلك حين قررت التصرف بقدراتها العسكرية الخاصة من وحي ما تراه صائبا لمصالحها.بينما كان نتنياهو يُلقي خطابه في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت طائرات سلاحه الجوي تقصف مكان اجتماع حسن نصرالله، وهو تطور إستراتيجي خطير يؤشر إلى تحولات في شهية إسرائيل لتوسعة الحرب دون انتظار العواقب.تنصل إسرائيل واستفرادها بالقرار دون اللجوء إلى أميركا يعني أن الأمور خرجت عن السيطرة بعد أن ازداد التوحش الإسرائيلي.في تلك القاعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، خاطب نتنياهو العراق بوصفه إحدى دول اللعنة المتحالفة مع إيران وسوريا واليمن ورفع خارطة سوداء لدول الشر كما سماها.ونستغرب من موقف الحكومة العراقية التي لم تستهجن أو ترفض هذا الوصف أو حتى تُصدر بيان استنكار لحديث نتنياهو. والأغرب والأنكى هو حضور أحد أعضاء الوفد الدبلوماسي العراقي المشارك في الاجتماع والاستماع لكلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرغم من انسحاب أغلب الوفود، مما جعل الأصوات تتعالى وتسأل عن لغز ذلك الحدث ولماذا هذا الصمت المريب؟دعونا لا نتفاءل كثيرا بالموقف الأميركي أو نُشيد به، فأميركا بالنهاية دولة مؤسسات يتحكّم بها اللوبي اليهودي. ومع اقتراب موعد الانتخابات، فإن إدارة جو بايدن تحرص على أن تنال أصوات ذلك اللوبي لتضمه إلى أصوات الديمقراطيين. وإن الفاعل اليهودي في واشنطن هو من يصنع السياسة الأميركية بحال اعترضوا على ما يقترفه نتنياهو أم لا.يمتلك حزب الله أضعاف ما تمتلكه الفصائل المسلحة في العراق من أسلحة وعتاد وتجهيز لوجستي، ومع ذلك استطاعت إسرائيل أن تستهدف قادته حتى الخط الثالث، مما يؤشر إلى وجود شبكات من التجسس والعملاء داخل الحزب استطاعت أن تزرعهم إسرائيل على مدى سنوات. كانت عملية تفجير أجهزة البيجرز أكبر دليل وشاهد على اختراق ممنهج ومدروس. فكيف سيكون حال الفصائل المسلحة في العراق، ذلك البلد المنخور سياديا والمنتهك أمنه وتعبث به كل مخابرات العالم بعد أن أصبح ملعبا لكراتها؟ مما يبدو أن إسرائيل قررت تصفية دول المقاومة وتفكيك مفهوم وحدة الساحات للمقاومة حيث لم تعد تردعها كل القوانين الأممية أو الإنسانية أو حجم الخسائر التي تتكبدها نتيجة هذا التوحش. كان من الممكن أن يتغير الموقف لو وجّهت تلك الساحات مجتمعة أسلحتها ضد إسرائيل، لكن يبدو أن راعية من تدّعي المقاومة قد خذلتها. يبقى الموقف الحكومي للعراق المتمثل برئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يحاول مسك العصا من المنتصف من أجل أن لا تنزلق بلاده إلى حرب إقليمية قد تبتلعها. لكن إمكانات الرجل محدودة خصوصا وإن قراره قد يُصادر في أي لحظة بعد أن أعلنت الفصائل المسلحة أنها تنتظر القرار من طهران للمشاركة والدخول في الحرب إلى جانب حزب الله في لبنان. يتخوّف العراقيون من ضربات إسرائيلية قد تستهدف موانئ عراقية أو خزانات نفطية أو طرقا وحتى محطات لتصدير نفط العراق في جنوبه ووسطه مما سيدمّر هذا البلد ويجعله عاجزا اقتصاديا وأرضا محروقة وركاما بعد أن يحترق خبزه. نتمنى أن لا يتكرر سيناريو “عاصفة الصحراء” عام 1991 عندما دُمرت البنى التحتية للعراق تحت وابل صواريخ وطائرات أميركا التي غزت أجواءه قبل أن تغزو أرضه، وتلك ما تعنيه حكايتنا.
|