الأحد 2024/10/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
الهروب.. وثيقة أسرى فلسطينيين حطموا القيد وهيبة الاحتلال
الهروب.. وثيقة أسرى فلسطينيين حطموا القيد وهيبة الاحتلال
سينما
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

يوسف الشايب

 

فيلم "الهروب" عن سيناريو محمد صوّاف وإخراجه، وإنتاج "الجزيرة الوثائقية"، والذي عرض مؤخرًا في قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله، ضمن فعاليات الدورة العاشرة والاستثنائية لمهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي، يتتبع محاولات هروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وكيف تطورت أشكال الهروب من واقع السجن لتشمل تهريب الرسائل عبر "الكبسولات" والهواتف، والنُطف، مركزا على تجربة الهروب من السجن روحًا وجسدًا.وعبر مقابلات لأسرى محررين نجحوا فعليًا في الهروب من السجون الإسرائيلية أو حاولوا وفشلوا، وجميعهم في غزة، وتمت مقابلتهم قبل حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ قرابة العام، يعمل الفيلم على محاكاة أبرز عمليات الهروب من خلال رواية أبطال هذه العمليات، وإعادة تجسيدها، وما صنعته تجربة الهروب من السجن في نفس الأسير ذاته وفي نفوس الأسرى من حوله.وينقل الفيلم "سينما الأسرى" التي هي محاكاة لـ"سينما السجون" عالميًا، إلى منطقة أخرى، فمن محاولات هروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وكيف تطورت أشكال الهروب من واقع السجن لتشمل تهريب الرسائل عبر "الكبسولات"، والهواتف، والنُطف، ليركز على تجربة الهروب من السجن.وبأسلوب يجمع بين الوثائقي والدرامي، يُصور الفيلم الذي أنتجته شركة "ألف ملتيميديا"، ومقرها غزة، عمليات الهروب من سجون الاحتلال منذ عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين وحتى يومنا هذا، "وكيف تمرد الفلسطيني على السجن بوصفه أداة للإخضاع المنظم، من خلال معركة أدمغة مع السجان الإسرائيلي".وأنتج الفيلم بنسختين، الأولى تلفزيونية (52 دقيقة) عُرضت على شاشة "الجزيرة الوثائقية" في حزيران/ يونيو 2023، والثانية طويلة (75 دقيقة)، مصممة للعرض في المهرجانات ودور العرض، ومترجمة إلى الإنكليزية، وهي التي عٌرضت، أخيرًا، ضمن فعاليات مهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي 2024.يتناول "الهروب" ست تجارب لأسرى فلسطينيين في عمليات هروب بارزة كبرى، بحيث يضعها في سياق بحث الفلسطيني عن الحرية داخل سجون الاحتلال، وهي: عملية الهروب من سجن "غزة المركزي" عام 1987، وعملية الهروب من سجن "نفحة" عام 1987، وعملية الهروب من سجن "عسقلان" عام 1996، ومحاولة الهروب من سجن "كفار يونا" عام 1996، وعملية الهروب من سجن "شطة" عام 1998، وعملية الهروب من سجن "النقب"، إضافة إلى عملية الهروب من عربة الترحيلات عام 2004.وبصريًا نجح الفيلم في تقديم صورة مقنعة إلى حد كبير، ساهمت المشاهد التمثيلية في تحقيق ذلك بنسبة كبيرة، فأدخلتنا في أجواء السردية والحكايات، فبتنا نشاهد من جهة أفلامًا أقرب إلى "أفلام السجون" العالمية، ونعيش الرهبة، والترقب، والإصرار، والارتباك، وكل المشاعر التي عاشها من كانوا يروون الحكايات فعليًا، كالأسير السابق عماد الدين الصفطاوي من قيادات عملية الهروب التي وصفت بالأسطورية، بحيث تمكن وآخرون من الهروب من سجن "غزة المركزي"، والأسير السابق محمد جاموس الذي نجح في الهروب من عربة ترحيل الأسرى في عملية غير مسبوقة، وجهاد أبو غبن قائد محاولة الهروب من سجن "عسقلان"، والأسير السابق غسان مهداوي المشارك في محاولة الهروب من سجن "كفار يونا"، ورفيق حمدونة الأسير السابق المُشارك في عملية الهروب من سجن "النقب"، والأسير السابق ثائر الكرد المُشارك في عملية الهروب من سجن عسقلان، والأسير السابق خليل الراعي مسؤول عملية الهروب من سجن "نفحة"، والباحث والأسير السابق هلال جرادات المُشارك في محاولة الهروب من سجن "شطة".المشاركون في الفيلم الذين لا يعرف مصير الكثير منهم، خاصة من بقوا في قطاع غزة في ظل حرب الإبادة، كما هي حال فريق العمل من مؤلف ومخرج، ومصوّرين، وممثلين، وغيرهم، تحدثوا عن تفاصيل مثيرة عشناها معهم كمشاهدين بفعل براعة التجسيد التمثيلي في الفيلم الوثائقي الدرامي (ديكودراما)، التي رافقت السرديات النادرة لأصحابها، فهناك محاولات للهروب تمت عبر قص قضبان السجون، وأخرى بالحفر، وثالثة بالهرب تنكرًا بملابس نسوية بالتزامن مع وقت زيارات العائلات، وقصّ الشباك، وأحيانًا أكثر من وسيلة في آن، وكيف نجحت بعضها، وكيف فشلت أخرى في اللحظات الأخيرة.وبالعودة إلى عمليات "الهروب" التي تم توثيقها في الفيلم، فإن أولها كان في 17 أيار/ مايو 1987، حيث نجح ستة أسرى فلسطينيين، هم: مصباح الصوري، ومحمد الجمل، وسامي الشيخ خليل، وصالح أبو شباب، وعماد الصفطاوي، وخالد صالح، في الهروب من سجن "غزة المركزي" (السرايا) وسط مدينة غزة، بعد أن تمكنوا من نشر قضبان الغرفة (7) في القسم (ب) الواقع في الطابق الثاني من السجن، والفرار في عملية الهروب الأبرز والأكثر شهرة من بين مجموع عمليات الهروب، ولكن بعد بضعة أشهر من المطاردة والاختفاء والمقاومة، استشهد ثلاثة منهم خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال في حادثين منفصلين، وهم: مصباح الصوري، ومحمد الجمل، وسامي الشيخ خليل.وفي 21 أيلول/ سبتمبر 1987، تمكن ثلاثة أسرى من قطاع غزة، وهم: خليل مسعود الراعي، وشوقي أبو نصيرة، وكمال عبد النبي، من نشر قضبان حديدية وقطع أسلاك شائكة وكهربائية وتجاوز كافة التحصينات والإجراءات المعقدة، والهروب بنجاح من سجن "نفحة" الصحراوي، الذي يقع في عمق صحراء النقب جنوبًا، ويُحاط بتحصينات أمنية مشددة، وافتُتح، حسب موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في عام 1980، واعتُبر في حينه منفى للأسرى والسجن الأكثر تحصينًا.وبعد ملاحقة ومطاردة طويلة وواسعة تمكنت قوات الاحتلال من إعادة اعتقالهم بعد ثمانية أيام من هروبهم، حين كانوا في طريقهم إلى الحدود المصرية، وكانوا ينوون الانتقال إلى خارج البلاد وفقًا للخطة التي رسموها.وفي 10 آذار/ مارس 1990 تمكن خمسة أسرى من مخيم جباليا شمال قطاع غزة من الهروب من قسم "كيلي شيفع" في سجن النقب، وهم: رفيق حمدونة، وأنور أبو حبل، وأيمن عابد، وعمر العرينين، وعماد القطناني، ونجحوا في تجاوز الجدار والأسلاك الشائكة وتخطوا مسافات طويلة، بل إن ثلاثة منهم تجاوزوا الحدود في اتجاه مصر، ثم إلى تونس، ليعودوا إلى الوطن مع السلطة الفلسطينية في أعقاب اتقافية أوسلو، فيم تم اعتقال اثنين منهم على الحدود وإعادتهما إلى السجن، وهما: رفيق حمدونة وأنور أبو حبل.ووثق الفيلم، ولو بشكل عابر، لأول محاولة هروب من فلسطين، وكانت من سجون الاحتلال البريطاني لفلسطين، وتحديدًا في عام 1938 من سجن "عتليت"، وكان بطلها الأسير عيسى الحاج سليمان البطاط، أحد أبرز قادة "ثورة القسام" عام 1936 واستشهد عام 1938، وهو أحد الناشطين في النضال ضد الإنكليز بفلسطين، وكانت السلطات البريطانية تشتبه في تورطه بقتل عالم الآثار البريطاني جيمس ليزلي ستاركي في كانون الثاني/ يناير 1938.في النهاية يمكن وصف هذه التجربة السينمائية باعتبارها سردية بصرية مؤثرة، ومشحونة بالتاريخ النضالي الفلسطيني، علاوة على أهميتها على صعيد توثيق وحفظ الرواية الفلسطينية، رغم قناعة أصحاب هذه السردية بأن "أسوأ شيء يمكن أن يحدث معك في الحياة هو أن تُسجن"، وبأنه "طوال فترة الاعتقال كأن الواحد منّا يعيش في كيس من الإسمنت"، وإن اختتم بعبارة مفتوحة على الأمل للشاعر محمود درويش يقول فيها: "في السجن لا تقل انتهى كل شيء... في السجن تقول: ابتدأ كل شيء، والبداية هي الحرية".

المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 02/10/2024   رقم المحتوى 54302
أضف تقييـم