الأحد 2024/10/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
قــصــة قــصــيــرة : الــغــريــب ...
قــصــة قــصــيــرة : الــغــريــب ...
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

وسيلة أمين سامي / اليمن

 

يا إلهي  لقد ضللت الطريق ، أين اختفى رفاقي ؟ ألم نكن نسير سوية ؟ هل ابتلعتهم الأرض ؟ أم  تهت عنهم وأنا ساهمة ؟.

بحدقتين متربصتين  تجول بهما  في كل اتجاه  ..

راعَها وقوفها وحيدة تخنقها حيرة فَزِعة ، والخوف يمزق قلبها المضطرب في جسدها النحيل  توشك أن تفقد صوابها .

المكان خال إلا منها ، يغشاه سكون خائف من سكونه .

لم يكن لها بد من مواصلة السير  .

الطريق وعرة شاقة .. أحجارها   الحادة المتناثرة  تخترق حذاءها المتهالك تدمي قدميها .

لم يثنها ذلك عن عزمها للوصول لمبتغاها  ، فهي تمسك وعاءها  تمني النفس بالعودة ظافرة بشيء من طعام تسكت به صراخ معدتها  وأمها العاجزة التي تنتظرها في  مخيم  مضرج بأوجاع الشتات .

يلوح في خلدها  رغيف شهي  لكنه ذاو  في مسافات المحال .

وكلما أوغلت في السير تملكتها الحيرة وازداد شعورها  بغرقها في التيه والضياع .

الشمس تجنح للمغيب  ، يسّاقط صمت  مهيب من احمرار الشفق ..أيقنت أن ليلا قادما سينوء بسرب من عبراتها  فقد بدأ اليأس يتسلل إلى قلبها .

الجوع يعتصرها  ، وقفت تستجدي أنفاسها والإعياء  يستبد بكل مفصل في جسدها  ،  شخصت ببصرها إلى غير  بعيد  تراءى لها  أضواء ساطعة  ،  تهللت أساريرها  ،  تحاملت على إجهادها ، خالت أنها  ستقوى على الركض  لكنها مااسطاعت لبلوغ الإجهاد فيها منتهاه  فواصلت سيرها تتوكأ بقايا من  عزمها  .

 إقتربت شيئا فشيئا حتى أصبحت أمام  تلك الأضواء  لاح   لها  قصر منيف  لم تر  مثله ،  تحيط به حديقة غناء ،  تتدلى من أشجارها بسخاء صنوف من الثمرات والفاكهة ،  انتابها الذهول  ،لم تصدق ما تراه  

ــ هل أنا في حلم ؟ كيف لم يصل أحد لهذا القصر  وكيف لم يطاله القصف والمدينة قد دمرت  ، وكيف نجوع وكل هذا الخير  ليس ببعيد عنا  ؟؟

أسئلة كثيرة عصفت بها  لم تجد لها جوابا .

نسيت  وصبها واستعادت شيئا من  قواها

ــ هذا مبتغاي

قالت ذلك وقد  أصبحت بمحاذاة السور  ، تلمسته  بفرح مرتجف .

ــ  كيف أدلف  إلى  حديقة هذا القصر  ؟

طافت حول سورها المترامي

وجدت الباب أخيرا  ،  وزادت فرحتها أنه لم يكن موصدا.. هبت منها نسمائم جنائنية الضوع  ،  علوية النقاء  وانهمر  غيث   في  عتمة روحها  فأينعت  ٱمال في منافي جدبها الكئيب  .

خرير الماء وهديل الأطيار  أثمل سمعها

ـ في أي مكان و زمان أنا ؟!!

 همت  بالدخول  ، وإذا بقامة طويلة  لرجل تقف في وجهها ، أفزعها ظهوره المباغت، رفعت رأسها بخوف لترى من هذا الذي يمنع جائعة عطشى  من الدخول ؟؟

هالها ما رأت  ، كادت تصرخ  فالرجل نصفه  الأيمن من جسده  مثخن بجراح   تقطر دما  ، اقشعرت أوصالها ، تساءلت :

ـ كيف لا يتألم  ، كيف له الوقوف بهذا الثبات ؟  لم لا يداوي جراحه ويوقف نزفها ؟

أسئلة كثيرة اقتحمت رأسها

استجمعت قواها وحاولت الدخول .. لكنه منعها :

ـ دعني أدخل

ـ لا

كان صوته غريبا كأنه ٱت  من البعيد  من ٱخر نقطة في الأفق

ــ جائعة وأهلي جائعون ،  أيام مضت ونحن بلا طعام دعني أدخل ، من حقنا أن نأخذ شيئا من هذا الخير  ،نحن في  مجاعة  ، لايحق لك منعي .

ـ لكل شيء ثمن وأنا دفعت ثمن هذا .

جالت ببصرها وهي تتساءل :

ومن يستطع دفع ثمن  كل هذا ؟.

شدها رؤيتها ل( الكوفية )

 الملتفة حول عنقه مغرورقة  بدمائه  مشمسة الدفقات   تهامس الأنداء بأوتار قانيات تزخ ربيعا في مدائن الحبق .

وجدت نفسها تسأله :

ـ الا تتألم ؟

ـ لا  .

ـ كيف تقوى على العيش  بهذه الجراح القاتلة  ؟؟

ـ بهذه الجراح أفنيتُ موتى .

ثم أغلق الباب بوجهها .

وقفت مذهولة لاتفهم ماكان يرمي إليه بكلماته .

سمعت خطواته  فلم تدر أكانت  وقع خطى  أم وقع صبح وعروج  إلى الملكوت .

 أذهلها  الغريب الجريح .. ظلت كلماته عالقة في وجدانها  .. ترامى لسمعها  أصوات رفاقها 

استدارت تناديهم :

ـ أنا هنا .. وقد وجدت طعاما كثيرا سيغني المدينة بأسرها

ركضت نحوهم .

لكن يا للهول وجدت نفسها مرة أخرى .. تائهة .

رأت جماعة من الناس يتحلقو حول جثة لشهيد  يزفونه نحو المقبرة

اقتربت منهم ، تأملت الشهيد .. هالها مارأت ..وقع  الوعاء من يدها

أخذت تصرخ :

ـ إنه هو  .. إنه هو .. بكوفيته .. بجراحه النازفة .  أقسم أنه كان يحدثني  .

نظر إليها أحدهم باندهاش :

ــ لكنه استشهد منذ  ثلاثة  أيام .

 

 

المشـاهدات 24   تاريخ الإضافـة 04/10/2024   رقم المحتوى 54356
أضف تقييـم