السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 11.95 مئويـة
التناقض بين الأقوال والأفعال وأزمة فقدان الثقة!
التناقض بين الأقوال والأفعال وأزمة فقدان الثقة!
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د. صدام العبيدي
النـص :

التناقض بين الأقوال والأفعال على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول من المشاكل الخطيرة جداً والتي تؤدي إلى انعدام الثقة وفقدانها، وهذا التناقض صار وللأسف ظاهرة مستفحلة نراها يومياً على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول،  فترى الأب ينصح أولاده بالأخلاق الحسنة وعدم السب والشتم والتلفظ بقبيح الألفاظ وهو يفعل كل ذلك عند أدنى انفعال أو غضب! تراه يأمر أبناءه بخفض الصوت في حضرة امهم وعدم رفع الصوت عليها وأن يسمعوا لها ويطيعوها، وهو يفعل نقيض ما أمرهم به وقد يضربها إن لم يجد طعاماً يعجبه أو في موعده المحدد أو قصرت في أي شأن من شؤون البيت! تجد التناقض أيضاً في خطابات وتصريحات رؤساء الدول والحكومات عن الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والحرية وأفعالهم قصف للمدن وحرق للأرض وقتل للناس الأبرياء، تجد التناقض بين أقوال السياسي عند ترشحه للانتخابات وبين أفعاله بعد فوزه فيها، تجد التناقض بين أقوال المسؤول في أول يوم  من تولية المنصب وما يعد به الجمهور من تقديم الخدمات لهم ومعاملتهم على قدم ومساواة بلا تمييز بينهم، والقيام بمهام منصبه ومسؤوليته على أتم وجه وبين أفعاله بعد ذلك عندما يتمكن من منصبه و ويحكم سيطرته عليه، ويطمئن على مركزه، فتصبح تلك الأقوال شعارات لا وجود لها على أرض الواقع، وأخطر التناقض بين الأقوال والأفعال من حيث تأثيره على الناس هو التناقض الذي يصدر من علماء الدين الذين يحسن الناس الظن بهم، فعندما تخالف أفعالهم أقوالهم فيدعون الناس على المنابر في الخطب والمحاضرات إلى مكارم الأخلاق وهم يفعلون أرذلها، يأمرون بالصدق وهم يكذبون، يأمرون الناس بالزهد وهم يلهثون وراء الدنيا، يأمرون الناس بالتواضع وهم يتكبرون ويتعالون ويرون لأنفسهم القداسة، يأمرون الناس بتجنب المال الحرام وهم أول من يرتع فيه، يأمرون الناس بحسن السيرة في السر والعلن، وهم يظهرون شيء ويبطنون نقيضه، هذا التناقض والمفارقة بين الأقوال والأفعال اعتبرها الإسلام خداعاً في السلوك الإنساني وتلوناً ذم الله به بعض عباده المؤمنين فقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (سورة الصف: 2-3). فهذه الآية تتحدث عن عيب من العيوب التي يمقتها الله تعالى ويبغضها، هذا العيب يتمثل بأن يقول الإنسان ما لا يفعل فيكون فعله مناقضاً لقوله، وفي هذا خداع للناس وتضليل لهم والضحك عليهم وهذا قمة النفاق والدجل، لهذا لم نجد أن القرآن الكريم قد عبر مثل هذا التعبير وبهذه الشدة إلا في مواقع الخطورة فوصف الذين يقولون ما لا يفعلون بأنهم يرتكبون عملاً يمقته الله، والمقت أعلى دراجات البغض! هذا التناقض بين الأقوال والأفعال خصوصاً من علماء الدين مشكلة خطيرة تؤدي إلى فقدان الثقة بقيم الدين وأخلاقه وتعاليمه السامية، فقد أدت وتؤدي بشكل واضح إلى زيادة ظاهرة الالحاد التي بدأت تتسع في مجتمعاتنا الإسلامية؛ لأن الغالب من الناس لا يفرق بين الدين والمتدين، يقيس الحق بالرجال ولا يعي أن الحق لا يقاس بالرجال بل يقاس الرجال بالحق! وهنا تكمن خطورة الأمر، فقد يكفر بعض الناس ويخرج عند دينه من فعل وتصرف عالم دين أقواله تناقض أفعاله! لهذا صدق القائل: (علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قال قائلهم للناس هلموا، قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق!!!).

المشـاهدات 150   تاريخ الإضافـة 06/10/2024   رقم المحتوى 54404
أضف تقييـم