الجمعة 2024/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
الحكاية برؤية فنية جديدة في ... تمثال الملك الباكي
الحكاية برؤية فنية جديدة في ... تمثال الملك الباكي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

َدراسة نقدية                                                يوسف عبود جويعد

 

المجموعة القصصية " تمثال الملك الباكي" للقاص عبد الأمير المجر، تضعنا أمام النسق الفني المتجانس، في عملية فن صناعة القصة القصيرة الحديثة، حيث نجد الحكاية هي الطاغية ورغم استلال تلك الحكاية من واقع حياتنا اليومية، وهموم الانسان بسبب مشاغل الحياة، الا أنها تنتمي الى تلك الحكايات في موروثنا الحكائي " الف ليلة وليلة"، ولكن بعد ما طرأ عليها أكثر من تغيير، فنجد تلك الحكايات التي ضمت بهذه المجموعة، غلب عليها طابع التطور والتحديث، بشكل ملفت للنظر، وكأنها وجه جديد من القص لم نألفه من قبل، إذ أن تلك الأحداث أستلت من واقع الحياة التي نعيشها، بهدف سحبها الى سياق فن القصة القصيرة واستحضار الادوات والعناصر الضرورية لعملية بناء النص القصصي، مع إضفاء لمسات سحرية نابعة من خبرة القاص واطلاعه الواسع في الثقافة والوعي وتجربته في مجال الكتابة لأكثر من نوع منها، وهكذا يكون الغرض من الحكاية هو ان تكون تحت امرة الفكرة التي اتخذها فتكون طريق للوصول الى عالم الفكرة واستحضارها ثم توظيفها لتكون متجانسة متصلة مع الحكاية، وهي لمسات فنية ضرورية في عملية القص، كما أنه يستحضر التاريخ في بعض من النصوص القصصية ليكون ماثلاً مع مقومات فن القص، وهذه التوليفة المتقنة، تجعل القارئ وهو يطالع هذه النصوص وكأنها ترافقه في رحلة سفر في قطار ولفترة طويلة، ولا شيء يؤنسه سوى الولوج الى هذا العالم القصصي وسبر أغواره، حيث اللغة السردية جاءت متلائمة ومنسجمة مع حركة السرد، وهي هادئة شفيفة متصلة، لا يشوبها أي شائب، كأنها تحث القارئ لمواصلة المتابعة لما ينساب منها من تأثيرات ناجمة من الاحداث التي غالباً ما تكون تلك اللغة السردية حافزاً لاظهارها بوجهها المبهر.

ففي القصة القصيرة " كتاب الخراب" نجد أحداث تشوبها الغرائبية، ويكسوها الدهشة ، حيث نتابع حكاية الصبي الذي يذهب الى المكتبة العامة في  القرية، ليجد سيدة تستقبله بأبتسامة لتستلم منه الكتاب المستعار وتعيره كتاباً آخر مكملاً لما قرأه، الا أنه يصعق لمشاهدة رجل عجوز  بلحية ثلجية يقرأ كتاباً باهتمام دون أن ينظر لأحد، فيقترب منه، محاولاً معرفة عنوان الكتاب، ويستطيع أن يلمح عنوانه، أنه كتاب الخراب، وهكذا تسير أحداث حكاية هذا النص، وتمر سنوات فيكبر هذا الصبي، ويعود الى المكتبة بعد انقطاع طويل، ليجدها مهدمة وتسكنها الاشباح ويخافها الناس، فيدخل هذه المكتبة ويتراءى له وجه السيدة المبتسمة ووجه العجوز ذو اللحية الثلجية وهو لازال يقرأ بكتاب الخراب، ونصعق نحن عندما نكتشف أن هذا الصبي قد كبر وصار رجل عجوز بلحية ثلجية وهو يقرأ كتاب الخراب، وهناك صبي صغير يدخل المكتبة ليستعير كتاباً، وهكذا نكتشف دورة الحياة ، ومهمة القراءة ويظل القارئ يتأمل الاحداث من أجل سبر أغوار ما حدث فيها .

وفي القصة القصيرة " في حضرة الرجل الحكيم" نتابع وبعالم من الفنتازيا ، رجل يبحث عن حكيم أو مجنون او ساحر أو دجال، وعندما يجده يجعله هذا المجنون طويلاً جداً، ويطلب منه أن يذهب لمواصلة حياته، ولكنه لا يجد في ذلك ما يريده فيعود الى المجنون ليجعله صغيراً جداً، بحجم صغير، ويواصل الحياة ايضاً فيجد صعوبة في مواصلتها، ليعود الى هذا المجنون على أمل أن يعيده لوضعه الطبيعي، الا أنه لم يجده وانما وجد رجلاً آخر أبلغه بأن هذا الرجل مجنون، وما فعله هو وهم يعيش في داخل رأسه.

في القصة القصيرة " تمثال الملك الباكي" قد  تكون واحدة من أهم القصص التي ضمتها هذه المجموعة القصصية، كونها تحمل وجهين وفكرتين، الظاهر منها وجه والباطن وجه آخرـ وهي من القصص الرمزية، التي تتطلب من الفارئ فك بعض من طلاسمها رغم وضوحها وذلك لاكتشاف الوجه الآخر منها، إذ أن أحد الملوك يطلب من شعبه الحضور في أحد الساحات لممارسة طقوس البكاء، للتكفير عن الذنوب، أو ذكر المفقودين أو الندم أو أشياء اخرى، لليكون هذا لطقس يمارس كل سنة ، حتى ينصب له تمثال ويطلق عليه الملك الباكي، وهنا تفاصيل طويلة وممتعة تشدك نحو معرفة تفاصيل مضمرة اخرى.

وفي القصة القصيرة "الجبل الأدهم" فينقلنا القاص الى عالم اسطوري مليء بالغرائبية ، وكانها دورة خلق الانسان منذ آلاف السنين، حيث الام الولودة التي ما فتأت تنجب اولاد، والاب الذي يحمل عصاه ليجعل اولاده يعبرون الى الضفة الغربية، واالجبل الادهم، فهي حاقلة بعالم رمزي تكسوه ضبايية اللغة السردية الرقيقة.

أما القصة القصيرة " متعة العيش بين الفائزين" فأنها واحدة من القصص الواقعية، والتي ادار دفة صناعتها القاص بشكل متقن، إذ أننا سنتفاجأ بأن بطل هذا النص، يكون مع الفائزين لكي يحظى بمتعة الفائزين، حتى لو على حساب المقربين منه، فعندما يخسر فريق أخيه المبارات، ويجده يبكي يتركه ويذهب الى الفريق الفائز ليحتفل معهم، وكذلك الحال بين المتخاصمين، وهكذا يعيش حياته كما يظنها سعيداً، الا أن مفاجآت تحدث أخيراً تجعل هذه الحياة تعيسة.

 

وهكذا ومن خلال إختيارنا لبعض النماذج القصصية من المجموعة القصصية "تمثال الملك الباكي" للقاص عبد الامير المجر، نجد أن أدواته القصصية قد تطورت، وكتاباته قد تنوعت في هذا المجال، واستطاع أن يقدم لنا الحكاية ولكن برؤية فنية متطورة وعصرية.

من اصدارات دار الشؤون الثقافية لعام 2024

           

المشـاهدات 51   تاريخ الإضافـة 08/10/2024   رقم المحتوى 54538
أضف تقييـم