الإثنين 2025/7/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
قراءة اكاديمية في رواية ) الأدميرال ﻻ يحبّ الشاي ) للروائي نزار عبد الستار
قراءة اكاديمية في رواية ) الأدميرال ﻻ يحبّ الشاي ) للروائي نزار عبد الستار
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. عبد الحسين  علوان الدرويش     

 

          هذه القراءة ليست قراءة نقدية بحتة ،حيث أنني لست متخصصاً بالنقد الادبي على الرغم من كتابة بعض الدراسات النقدية المنشورة في الصحف حيث كانت هناك قراءة في رواية ( ملاك لا يطير ) للروائية سلوى احمد وقد نشرت في جريدة الدستور بتاريخ ٧/٢/٢٠٢١م ،كذلك هناك دراسة في رواية ( كدت اتزوج ملكا فرعونيا ) للروائية العراقية المغتربة عذراء شاكر الجاري ، وقد نشر الجزء الاول في جريدة الدستور بتاريخ ٢/ تشرين الاول /٢٠٢٣ م ،والجزء الثاني في جريدة الدستور بتاريخ ١٨/ تشرين الاول/ ٢٠٢٣ م ،بالإضافة إلى دراسة عن مجموعة قصصية بعنوان ( شهريار يغير مكانه ) للزميل الدكتور صادق رحمة محمد وقد نشرت في جريدة الدستور بتاريخ ٢٢/ تشرين الثاني /٢٠٢٣ م .                                                   لكن هذه الدراسة ،وقدغلبت عليها الصفة الأكاديمية العلمية،لقد كان مسرح الرواية هي شركة الهند الشرقية البريطانية في البصره ،والتي كانت باكورة أعمالها الفرص التجارية التي تتيحها لها جزر التوابل في جنوب شرق اسيا وليس الهند فقط ، ولكن شحنات الأقمشة الهندية أثارت اهتماماً متزايداً بين المستهلكين في انجلترا . كما قامت الشركة بشحن بضائع من كانتون كالشاي والحرير والأقمشة والخزف ،وكانت اثمان البضائع الآسيوية. تدفع من قبل الاصواف والمعادن البريطانية ،تكملها السبائك الفضية الإسبانية .                              ومن متطلبات البحث العلمي الرجوع  الى بعض المصادر والبحوث التاريخية حول هذه الشركة ،والتي تقول ( أما شركة الهند الشرقية فكان أول اتصال لها مع البصرة هو وصول أول سفينة صغيرة لها وهي محملة بالبضائع إلى البصرة سنة ١٦٣٥م ،وظلت مستمرة إلى عام ١٧٢٣ م إذ أسست لها مقراً دائما في البصرة وأصبح وكالة عام ١٧٣١ م .....) ( ١ والمصدر الثاني ( كانت البصرة الفيحاء في أوائل النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي قد توسع اتصالها بالخارج ،وازدادت أعمال شركة الهند الشرقية الانكليزية في أسواقها ،فقوي شأن وكيلها حتى أصبحت له صبغة قنصلية رسمية ........( ٢   والمصدر الثالث : (أن التنافس الهولندي الإنكليزي في البصرة ،حيث ظهر الهولنديون في البصرة عام ١٦٤٠ م ،بعد أن عرفوا أن الاوربيين الآخرين كالإنكليز تجارة رابحة هناك ،فاسرعوا إلى ارسال سفنهم إليها لمنافستهم فيها ( ٣ ) .

         ويمكن أن نعرف  الرواية التاريخية كما يقول باختين  ( أن ما يميز الرواية التاريخية هو التحديث الإيجابي ،وهو محو   الحدود بين الأزمنة. بينما يذهب جورج لوكاش إلى القول :( مع ازدياد الوعي بالحاضر يزداد الاهتمام بالتاريخ ،بوصفه خلفية الحاضر أو تاريخ الحاضر ،وتسهم الرواية بوصفها إحدى أدوات تصوير التاريخ ،الاكثر تفصيلاً وصدقا ،في استجلاء ما حدث في التاريخ ) (٤) . 

والسؤال الذي نطرحه هنا : كيف يستطيع الروائي أن يخدم أهداف الحاضر عبر تمثل الماضي ؟؟؟ وهذا يقودنا إلى أنه كانت الرواية التاريخية وإن غلب الجانب المتخيل على الجانب المرجعي ،فان الروائي مطالب بأن ينزل الشخصيات والأحداث في إطار زماني ومكاني ، قوامه المشاكلة ، ومن ثم فإن كاتب الرواية التاريخية  لا يلتفت إلى الماضي إلا من خلال قضايا حاضره ( ه ) .

وكما يقول الأستاذ الكبير والروائي نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل العالمية : المؤرخ عالم ملتزم بمنهج علمي يبحث في الوثائق والمراجع بموضوعية كاملة حتى يصل إلى الحقيقة التاريخية ، بينما الأديب عندما يكتب عملا فنياً فالمقصود منه الامتاع  للناس جميعاً ويصل إليهم معنى يتصل بالتاريخ أو لايتصل !!!

وعليه فأنه في الرواية التاريخية يكاد أن يختلط الروائي بالمؤرخ الذي يأخذ القارئ إلى. زمن بعيد ....زمن الماضي ، وهكذا يكون الروائي والمؤرخ مختلطين ببعض ، وتكون نسبة الروائي ٢٠ بالمئة من الأحداث التاريخية والمؤرخ ٨٠ بالمئة من الأحداث التاريخية .

 

وبعد هذه المراجعة للنصوص التاريخية ، والقراءة المتأنية في نصوص الرواية ، حيث اكدنا على الجانب التاريخي والتسلسل الزمني لتعاقب الاحداث ، فكانت محاولة جادة لمعرفة النصوص التاريخية في الرواية من حيث زمكنة الحدث  كما جاء في ص ٩ ( كان المبنى بمساحة الف متر ،يقع على طريقين، هما الوحيدان في البصرة الاكثر قربا من فكرة الشوارع .......فلا يميز مبنى مقيمية الشركة سوى أنه بيت تنام فيه سمعة التجار الإنكليز الجشعة ) .

 

كذلك في ص ١٠ ( استولى الهولنديون على أرض السوق بعد أن تفرجوا على نكبات شركة الهند الشرقية البريطانية طيلة ثلاثة عقود. وفي العام١٨١٣م لم يجرؤ احد على مد   يده نحو البصرة ،فعشية إلغاء البرلمان الإنكليزي احتكارات التجارة ،كانت شركة الهند الشرقية تملك جيشاً من السيبوي تعداده ربع مليون جندي ،ومن السهل انتقاء ٥٠ ألف مسلم لنقلهم من بومباي إلى ميناء البصرة ) .

 

تنقلنا هذه النصوص في الرواية إلى تفاصيل مهمة ومرسومة بدقة متناهية    في تاريخ شركة الهند الشرقية و علاقتها في البصرة خصوصا والعراق عموماً .

 

وعند معرفة تفاصيل اخرى لمنطقة البصرة  آنذاك يكون النص الروائي مركزا على ذلك ( ورغم الغرور المتخاصم المستند إلى التاريخ القتالي بين بريطانيا وهولندا ،  إلا انهما يتمتعان بالتواضع ،فلا ينعزلان عن البحارة ، وتجار البصرة والموظفين الأتراك الصغار ). ص ٣٥ .

 

وعندما داهم وباء الطاعون العراق والبصرة خاصة وأخذ يفتك بالناس (كانت القنصلية البريطانية متخوفة كثيراً من سرعة تناقص السكان ، واضطرت إلى دعوة قناصل  هولندا ،وفرنسا ،وروسيا للتباحث بشأن الضغط على متسلم البصرة للتخفيف من إجراءات الحجر الصحي ) ص ٦١ .

 

وهذا النص يؤكد أن إجراءات الشركة للمحافظة على سريان التجارة  وليس على الناس حيث كان آنذاك   (عدد سكان البصرة  ٢٠ آلف نسمة فقط ،ونصفهم مرضى على وشك الموت وإذا ضرب الطاعون المدينة مرة أخرى فلن تجد قافلة توصل بضائعك إلى حلب ) ص٦١ .

 

وهذا لعمري كان الدافع والحافز على مزاولة العمل التجاري رغم كل الظروف الصحية ......أنه الجشع والاحتكار والطمع والخسة والنذالة  بعيدة كل البعد عن معاني الإنسانية !!!!!!

وجاء في ص١٤٢ في الحوار بين الممثلية الهولندية في البصرة وبين الأدميرال ( يا صديقي العزيز أنت في مقيمية شركة الهند الشرقية البريطانية هذا يعني أن تجارة العالم كله تنام هنا .... وأنا الأدميرال الذي قتل نصف سكان الصين بتجارة افيون باتنا  ) . ولهذا ( أصبحت صداقتنا قد غرقت في نهر العشار ، ما أن جلبت الشاي إلى البصرة ، لقد خرقت اتفاقية الحماية التجارية بين هولندا وبريطانيا) ص١٥١ .

وهكذا أصبحت بين الطرفين حرب قائمة على الاغتيالات السرية ، وتراشق الاتهامات ،وتبادل المعلومات من قاعدة الهرم إلى قمة الهرم ، وكانت تلك الأمور تجري على قدم وساق ،على مستوى التجارة في البصرة مثلما يحدث المد والجزر في شط العرب .

انتهج الروائي مذهباً أسس عليه سروده ،وهو نهج التعبيري الوصفي الواقعي ، الذي يعتمد على العلامات واللقطات والتخطيط والسينما والتشكيل بكل فروعه ، والتضمينات والاقتباسات والرموز ، وأهمية التأكيد

على استخدام الوقائع التاريخية ، فيؤسس لحقبة تاريخية ذات مشاهد ولقطات سينمائية يدرج فيها كافة التفاصيل الدقيقة ويدخل إلى أعماق سراديب الواقع بكل ملابساته ، ويغطي الحدث الدرامي والرومانسي بكافة مستلزمات زمكنة الحدث ،فيصبح الكائن الحي ( بطل الرواية ) يتحرك ضمن المسار التاريخي الطاغي على الديكور وإكسسوارت وملابس ، ومعالجة بيئة الحدث ،واشياء أخرى مهملة تبرز على واجهة السرد واضحة للعيان كوضوح شمس البصرة الحارقة......

وبهذا يكون السرد بلغة شفافة مفعمة بالرومانسية ، ومتشكلة على وفق مشاهدات ومعايشات  الواقع إلى نقل الوقائع ، بلغة سلسلة روائية أدبية ذات منحة بلاغية ، من دون المساس بالحقائق التاريخية الثابتة ، والصورة عند الروائي نزار عبد الستار ، كانت عبارة عن ماء يرش على عشب اللغة ، ليبقى مخضرا في النص وعلى صعيد الفكرة و الصياغة والدلالة.

وبهذا يؤسس لحقبة تاريخية موغلة في القدم ويطرحها بسلاسة وترتيب زمني ،وانسيابية  ترتفع على سياقات المتداول السردي شكلا ومضمونا ، كذلك تمتع النص ( النزاري ) بأ نتمائه الثقافي لسلسلة من العلاقات مع مفاهيم الثقافة الإنسانية وتنوعها وتعدد مجالاتها وأنظمتها المعرفية ، والتأكيد على ما يريده السارد ، هو رصد الحركات والحوار للحظة زمنية معينة وتأطيرها بالماضي البعيد بالحاضر المعاش ، كأنه حدث توا !!!!!

وطرح مفاهيم لتبيان الحقائق الساطعة لمعرفة خبايا القصد من الاستعمار والهيمنة ، هو نهب ثروات العراق! ولهذا السبب ( يمكن للنصوص الروائية أن تلعب أدواراً ، وتغير أفكاراً لدى صناع القرار ، مثل تأثر الزعيم الكوبي ، فيدل كاسترو ، بأعمال الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ، أو مثلما ساهمت رواية ( عودة الروح ) لتوفيق الحكيم في تشكيل فكر الرئيس جمال عبد الناصر وفي تكوينه ( ٦ ) .

ولذلك يصبح الروائي والنص السردي كأداة للدبلوماسية الثقافية ، ولتبادل الأفكار والمعلومات والقيم والانظمة

و التقاليد والأعراف والمعتقدات . واستطيع الجزم أن الروائي العراقي نزار عبد الستار في روايته هذه وفي مجموعته القصصية والروائية الأخرى ،استطاع بكل ما يملك من تقنية السرد وقوة الرسم بالكلمات ، في

تشكيل العالم المتخيل وتصوره ورسم سماته حتى تغيير بوصلة الاتجاه التي يرى بها الناس الى حضارة العراق ،وعليه تلعب هذه الرواية دورا مهما في الممارسة الدبلوماسية وإعادة النظر فيما كانوا يعتقدون بإمكانية العراق

 والعراقيين الذين كانوا ولا زالوا بناة اولى الحضارات الانسانية قاطبة .

يتضح مما سبق أن التاريخ له صفة التراكم ، لا تستطيع مهما فعلت أن تتخلى عن جزء ولو صغير منه ،لأنه  ببساطة سوف ينهار كل شيء  فالحاضر الذي نعيشه  هو دخان منفلت من ماضي كان في وقت من الاوقات حريقا ، وبهذا يكون التاريخ مادة حية ،وهو كائن حي لا يموت ، لذلك سيظل دائما يثير كل عين توقن بان العبرة هناك ، عالم يمثل الواقع ،تشكيله من خلال مساحة واسعة من التخييل ،حيث اللحظة التي يتم فيها كسر الحاجز بين العالمين ،سيكون هناك عالم ثالث ، يحمل تلك اللحظات والرؤية التي ترغب في الظهور من الرحلة المؤقتة للوراء . وبهذا يكون الامتزاج بين التخيلي والتاريخي هوالحافز والدافع الأساس إلى ظهور نصوص قصصية وروائية إبداعية  أدت إلى الحصول على الجوائز العربية والعالمية ومنها ( نوبل ) من خلال هذه النصوص التي تتكئ على التاريخ.

فالنص السردي هو مسرح تمثيل الذات ،وفي اللحظة التي نعرف فيها أن الذات في اي نص سردي ،ليست ما جرى كتابته عنها فقط ، وانما ما أهمل منها أيضا ، وما نسي ،وما تعمد نسيانه .

السارد هو مؤرخ من نوع   خاص يعنى بالثغرات والفجوات والهوامش المنسية والزوايا المعتمة ،والغوص إلى أعماق الباطن التي تتجاهلها ،في الغالب المدونات التاريخية التقليدية .والسرد في النهاية محاولة لمليء تلكم الثغرات والفجوات وإبراز الهوامش المنسية وإضاءة المناطق المعتمة بواسطة الفن السردي .

وبهذا نستطيع القول ، أن بين الأدب والتاريخ وشائج لا تنفصم  ، وان الأدب لا يفهم حق الفهم   من دون أن يوضع في سياقه من التاريخ ، وأن قطعا من الشعر والنثر تظل مستغلقه المعنى من دون أن يسلط التاريخ ضوئه عليها .

وقد عبر  فولتير عن رؤيته لقصور التاريخ الرسمي بقوله ( لقد كتبنا تاريخ الملوك ولم نكتب تاريخ الأمة) ، فالتاريخ الرسمي دائما ينطق بلسان السلطة ويحتفي بالسلطان مجاهلا عوام الناس مع انهم هم الذين يصنعون التاريخ بدمائهم ، فلما ظهرت الرواية حاول مبدعها أن يؤنسن التاريخ فاحتفى بالمهمشين والمقهورين والمسحوقين ، والذين يعيشون في القاع وأسفل طبقات المجتمع ،وكل من اغفلهم المؤرخ الرسمي ،هكذا نشأ التعارض بين دوري المؤرخ والروائي ، فالمؤرخ يقول قولا سلطويا نافعاً  ولا يتقصى الصحيح ،يهمش تاريخ المستضعفين في الأرض ، ويوغل في التهميش إلى تخوم التزوير وإعدام الحقيقة ، ولهذا يقوم الروائي بتصحيح ما جاء به المؤرخ ، وما أمتنع عن قوله.

وبهذا نستنتج أن ما قام به الروائي نزار عبد الستار حينما اتخذ من أحداث التاريخ ( شركة الهند الشرقية البريطانية) مادة لعمله الإبداعي، فكان رهانه أن يتعقب الفراغات التي اهملها التاريخ الرسمي، وأن يذكر ما اغفله المؤرخون،  وكما اعتقد ان الروائي نزار كان على وعي تام أن دوره ينحصر على التأويل وليس انتاج معرفة تاريخية.

ويمكن القول من خلال ما تقدم ، أننا بحاجة ماسة إلى التمعن بعيون جمة لاستثمار التاريخ القديم والحديث والمعاصر الاسلامي والعربي ،من أجل الحاضر والمستقبل ،لما يحمله من إرث حضاري يرقى عالمياً إلى أن يكون تاريخه مميزاً .

ولابد أن نشير هنا، أن  هذه الرواية مغامرة مشوقة ، وإن جاءت بإطار تاريخي موثقة اهم الاحداث التي مرت بها البصرة الفيحاء ،مسلطا الضوء على أهم وأكثر الشركات التجارية دموية في العالم ، على الرغم من أنها رواية مشحونة بالخيال والرومانسية والترقب ،تشد القارئ من اول صفحة ،الى عوالم مسكونة بالسحر والأسطورة فضلاً عن روح السخرية الصادمة !!!  .

ومن الجدير بالذكر أن هذه الرواية صدرت عن دار الساقي، بيروت ،سنة ٢٠٢٣م ،عدد صفحاتها (٢٦٣) من القطع المتوسط .

المشـاهدات 290   تاريخ الإضافـة 20/10/2024   رقم المحتوى 54684
أضف تقييـم