الخميس 2024/12/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 9.95 مئويـة
راوية الشاعر لغة متعالية
راوية الشاعر لغة متعالية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناصر أبو عون
النـص :

 

أمَّا قبل.. فإنّ لغة التواصل الشعريّ في كتابات العراقية راوية الشاعر تتكيء على عمليتين متقابلتين: الأولى(الترميز)؛ حيث تسير من الأشياء إلى الكلمات، والآخرى (التأويل) المتعدد الرؤى والمداخل والعمليات؛ ولأن القصيدة بصفتها معمارًا لغويًّا متشكلا على نمط شعريّ خاص، فإنه (من العبث إغفال مواد البناء هذه واعتبارها كائنات لاشأن لها في توصيل معنى معين، بل هي مجموعة وظائف ومعانٍ تشكّل المادة الخام التي تنبني عليها القصيدة)، ونسوق هنا مثالا مجتزءًا من نصٍّ لها بلا عنوان يمكن تطبيق هذه العمليات عليه:[يفلسفُ لي اللمس بطريقة مبتكرة/كأن يلمس خوفي من عزلة الأفكار /ويضع كامل نضوجه على المرايا/ينام في فمي كـ دعاء متسول/وأغفو في عينيه كـ طفولة متأخرة]

وفى هذه الحالة فإننا نستطيع تعريف الشعر حسب فرضية جان كوهن، في نظريته: (اللغة العليا الجديدة) بأنه نظام للمجاوزة. فاللغة الشعرية تحطم البنية القائمة على القابل والتى تعمل داخلها الدلالة اللغوية، بل إنها تطلق سراح المعنى من الصلات الداخلية التى تربطه بنقيضه، وهى الصلات التى يتشكل منها مستوى اللغة والتى تجسد مستوى "اللاشعرية" فى الخطاب الإبداعيّ.

وبناءً على ما سبق فإنني أرى في نصوص رواية الشاعر (ندّاهةً) أو شِصًّا طعومه (غواية) مشبوكة في لغة شعرية صافية وتتمتع بشراهة عالية ومتعالية من التأويل، تستوطن دماغك من السطر الأول، وتجرُّك خلفها وتلقيك في دوامة من الإبداع البريء وبلا تكلّف مُمضّ وحشو وحشد، وتشير لك: [أسقطُ هناك.. في ومضة تجمعنا كـ البرق/كتفي عامر بــ الحقائب/وجهك كيس من الحلوى/شَعري المتساقط منسدل كـ حنانك/قبلة تكفي..لــ يكون الممر آمنا].

فتدخل وراءها مغمض العينين، واهم بضوء البصيرة إلى دهاليز النصوص لتستكشف المناطق المُشعّة في تجربتها الشعرية، وتسلب إرادتك أبنية تراكمية من الصور الشعرية التي تتجسد في منظومة بصرية تتشكل على سطح القصيدة؛ فتتيقن أنه لا سبيل للفكاك والخروج من هذه المتاهة إلا بتجربة نسخ عديدة من مفاتيح التأويل، رُغم لافتة التحذير المعلقة على نواصي النصوص تقول لك:[تسقطُ هنا..على صدري/مثل فرحة مؤجلة/تغفو كما الأطفال/يستريحُ فمك من العتب/كلما دنوت راعيا محبا /تقبل كدمات الحزن/التي يتركها غدر الحياة..صدر أكلتهُ الحقن والمصول/جسد يرتبُ قناني الفقد/ويعبرُ أنابيب (الكيماوي)بـ أقفاص مفتوحة]

لذا أنصحك عندما ترغب في الدخول إلى (نصوص/ متاهات) راوية الشاعر عليك أن تتجرّد من المسلمات والرؤى القبْلية، والطبقات الرسوبية الفكرية التي تكونت لديك من قراءات سابقة اختلقتها هزَّات الإعجاب، واصطنعتها تجليات (الميديا) عنها. فقط عليك الاسترشاد بخارطة منهجية لتستطيع الانتقال بسلاسة بين الأبنية الفنية المتداخلة، التي شيدتها الشاعرة كفخاخ معدة بطريقة عفوية لاصطياد الرشاقة الجمالية للغة وتكثيف المعاني وإدراجها في ثنايا الصور الشعرية ومن ثَمَّ استثمارها، وتسويغها في مشيئة نصّها الشعريّ. [يوما ما..سأعثرُ على رجل/ يطبخُ لي المرح على العشاء/ يمررُ النكهات على الأحاديث/ يمضغني بـنكتة أعبدُها/ يضعني بين رجليه.. وهو يمشطُ حزني/ ويهدهدُ شكي/ ويلمُ ما يسقط من أصابعي من دهشة/ يأخذني في رحلة..لا تنتهي فيها متعة الرقص/ولاينقص منها زاد الأسئلة].

أمّا بعد فإننا على محمل النقد لا النقض نرى في مدونات رواية الشاعر متاهة مغناطيسية عندما تدخلها مختارًا كلعبة على محمل التجريب، ومدفوعا بشهوة الاكتشاف؛ ستجد نفسك تلج إلى بوابات متعددة التأويل، وتستثير شهيتك بقع ضوء على ناصية الكلمات تعمل وفق نظرية إيفان بافلوف لكتشف في الأخير بأنّ تعدد التأويل تكنيك تمارسه الشاعرة لإثراء النصوص ينتج عنها تنوّع وغنى وانفتاح على عوالم شتى رفضًا لنقيضه الاستاتيكي(السكونيّ) الذي يشبه السير داخل الحذاء بما ينطوي عليه من محدودية وفقر وانكماش في آفاق التفكير والإبداع.

وأخيرًا أقول لكم: إنّ العراقية راوية الشاعر تتجه بالنص إلى ترسيخ قيم خلقية نبيلة، ومتوارثة عبر رؤية شعرية صافية، من شوائب التقليد، دون الولوج إلى مستنقعات الاستسهال التي أتاحتها (مواقع الميديا) فانحرفت بالشعر العربيّ عن غاياته الكبرى، وجرفت في طريقها منظومة القيم، فطفت على سطح الشعر نفايات لغوية مُغرقة في (الإيروتيكية)، وظهرت على منحى آخر فقّاعات تسمى بقصيدة (البورنو)، ومقاطع سردية لا هي شعر ولا هي رواية ولا هي قصة؛ بل مسخٌ يشبه خلاعة (الاستربتيز)؛ لتتحوّل الحياة الثقافية العربيّة في عصر هذه الكتابة الفجّة إلى (كازينو) كبير، أو قل بلاتوه سينمائي لإنتاج فيلم رخيص يعرض تُرهات وصفحات سوَّدها أنصاف المتشاعرين فتطاولت أقزام، واحتجبت أقلام وسقطت في غيابات الجب أخلاقيات الكتابة الشعرية.

المشـاهدات 64   تاريخ الإضافـة 20/10/2024   رقم المحتوى 54717
أضف تقييـم