زكي الديراوي

(ليت الشباب يعود يوما وأخبره بمافعل المشيب )

كما قال ابوالعتاهية ولكن تبقى الأمور أمنية ونسبية بأغلب أمور الحياة..

في ثمانينات الزمن قبل الحرب ..

وماتخلفه من دمار وموت للحياة والمشاعر.

غادرت باخرة تحمل اسم بغداد  البصرة قبل الحرب بعدة ايام تحمل التمر وبعض المواد القابلة للتصدير تجوب اليحار وتصارع الامواج .....

هي الرحلة الاخيرة للشيف (طباخ الباخرة) ابو صابر فعند عودته سيحال على التقاعد( المعاش) كما يقولها اخواننا في مصر ..لبلوغه السن المطلوبة للاحالة..

بعد التنقل من بحر لبحر وميناء لاخر. رست للتوقف الاخير كان في  ميناء كونستا نتسا..

لوجود تفريغ بضاعة وعطل في( الانجن ) الماكنة ..حدد وقت الوقوف للتصحيح بسبعة إيام  وبعدها رحلة العودة  للوطن...

نزل اغلب الطاقم للاستجمام عدى العم ابوصابر كان مكتأبا..

طلب منه كابتن الباخرة النزول واخذ فسحة راحة خصوصا وان أيامه معدودة بالعمل ..

قال قضيت عمري من ميناء إلى ميناء اخر لم انزل لاي ميناء حتى للتسوق غايتي اسعاد عائلتي وجمع المال لهم ..

ضحك الكابتن قائلا اعتبرها رحلة سياحة ونزهة ..تعال معي انزل على حسابي ..اقتنع اخيرا ..استحم واستبدل ثيابه ورافق الكابتن والبحارة..

دخلوا مرقصا ..استغرب ابو صابر من هذه الاجواء الصاخبة والاضواء المتراقصة والسيقان اللاهبة..جلس بركن لوحده تحت انارة خافتة تصفح عمره الضائع بالعمل بين الوجوه الخشنة..

احتسى كاسا مرغما من البيرة ..

سمع كلاما ناعما لم يفهمه..رفع راسه وجد ملاكا يقف قربه ..اخذت ورقة كلينكس ومسحت دموعه كلمته مرة اخرى ايضا لم يفهم ..

فتاة عشرينية قمة في الجمال الابيض المتجانس باللون الذهبي والشعر المذهب وبروز نصف الصدر السراميكي والعيون الخضراء ..نظر إليها..نظر غير مصدق انه يرى حورية في آخر أيامه أيام الشيب..صاح بأعلى صوته : كابتن ..كابتن .كابتن خلصني من هذه الشيطانة وذنوبها لااعرف ماذا تريد..

جاء الكابتن مسرعا ..صافحها ..قالت أرى هذا الرجل حزينا تألمت لأجله..

جلس الثلاثة شرح لها الكابتن حالته ..

قالت : ان سمحت له وهو يوافق اصطحبه معي لشقتي واحضره لكم قبل سفر الباخرة انا ووالدي لدينا مخزن بالميناء وعرفته عن نفسها واعطته عنوانها ..

عندما اخبر الكابتن ابو صابر طلب الشابة ..اعتذر مترددا .قال ماذا تريد مني وانا شايب ..

قال اذهب رافقها ستاخذك بنزهة للمدينة ارتاح من العمل لديك اجازة اسبوع ..

رافقها مترددا متخوفا فهو لايجيد اللغة وربما لايجيد الحب ..

مر يوم واخر وثالث ورابع مر الاسبوع

الباخرة تأخرت .والشابة لم تأت وابو صابر لاحس ولاخبر ..

اتصل الكابتن مرة ومرات لم يحصل على رد ..

اخيرا ردت بعد تأخر  الباخرة ثلاثة أيام مع الغرامات ..

اوصلته للميناء قرب الباخرة ..جميع كادر الباخرة ينظرون له .لحيته حليقة ثيابه جديدة شكله اجمل ..أنزلت الحقائب وهي تبكي ..

قالت للكابتن ممكن يبقى معي للعيش حتى يحصل على الجنسية اريد الزواج منه ..

اعتذر الكابتن قائلا القانون ربما يعاقب اهله ..احتضنته تقبله وتبكي ودموعه تتساقط على صدره وهو يضمها باكيا ..

رفع يديه للسماء قال ربي احرق الباخرة بغداد لاعيش الجنة هنا ..

ضحك الجميع ..عندها غنى سبعة ايام من عمري حلالي سبعة ايام من غير الليالي ..

تحركت الباخرة مغادرة وعيونها تتبع الموج وعيونه تمطر الشوق ..

طول عودة الرحلة ابو صابر اختصر القصة ..

هذه الأيام فقط كانت عمري ..هذه الأيام أعادت الشباب والروح وعرفت السعادة وقيمة الحياة ...ووووو.

عاد للبكاء