السبت 2024/12/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 9.95 مئويـة
.....أفق بلا قيود......
.....أفق بلا قيود......
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حاتم حسين

جذب أنتباه زميلهُ الطبيب الذي كان يقف الى جانبه.

أحس بذعره واصطكاك أسنانه همس له:- مابك؟! هل تعرفها بسرية تامة اومأ براسه أنها شقيقتة المفقودة،

قال الضابط الذي يرتدي الزي الزيتوني بلهجة صلبة وأمرة :-لانريد ان تعالجوهن،نحن في إنتظار  شهادة بالوفيات،ثم تطلّع في وجه الطبيبن وغادر المكان هو وجماعته.

هذه المفاجأة هزت أوصاله بعنف ،حاول ان يتماسك كي يصرف نظر الرقيبين اللذين كانا يسجلان كل حركة صغيرة وكبيرة ينم عن الاطباء،

المشفى خاص بأولئك اللذين يجلبهم رجال الأمن الى هذه الردهة الخاصة والشديدة الحراسة والمليئة بالأعين الرقيبة.

كنّ ثلاث فتيات طالبات في الجامعة لم يقترفن ذنبآٓ سوى انهن (محجبات)

القى زميله الطبيب نظرة فاحصة على الفتيات واستكشف اعراضآٓ مشتركة بينهن؟

بقع صلعاء في مقدمة الراس  وسقوط الّأهداب والحواجب،مرض لم ترهما عيناه....

أستفسرا من شقيقته الملقاة والممددة على السرير.

كانت خائرة القوى متيبسة الشفتين لا تستطيع ان تتحرك او تتحدث بصوت عالٍ أو مسموع.

قالت:-لقد سقونا قدحآٓ من اللبن قبل يومين  ثم إنهارت  كل قِوانا .

طفق الأثنان يبحثان في بطون الكتب الطبية عن المرض الذي يُسبّب مثل هذه الاعراض،

ووقعت عيناهما على تلك المادة الكيمياوية التي يضيع طعمها مع اللبن ،هذه المادةالتي تُدمّر وتخرّب الأنسجة والخلايا والتي اسمها(الخردل)تنهش وتأكل اعضاء الجسم وتنكشف بوضوح على منابت الشعر وخاصة مقدمة الرأس والأهداب والحواجب.

خاطبه الطبيب بصوت منخفض :-نحن نتاوب الخفارة،وعلينا أن نسرع بعملية (غسل المعدة وتبديل الدم) نحاول إيقاف تدهور صحتها.

الرعب هو المناخ السائد في هذه الردهة المغلقة والمعزولة .

عقد لسانه الصمت بعد هذا الاقتراح الجرئ.حاول ان يبث  في نفسه قدرآٓ من الشجاعة والقوة،

:-كن شجاعآٓ ،نحن أطباء وهذه فرصة لاتعوض.

لاح لعينيه شبح الرقيبين اللذين كانا يجلسان على الباب،وقف حائرآٓ مذهولآٓ وهو يبادلها النظر كشخصين غريبين،نظراتهما تخفي في طياتها أسئلة عن احوال الأب والأم والبيت والأصدقاء،لايشغلها سوى الأطمئنان او الرغبة في التحدث عن اولئك اللذين غادرتهم رغم حبّها  وشغفها لهم ،خاطب نفسه (هذا أذن ثمن الوعي  والنضج والثقافة  والانخراط في العمل السياسي)فهي لم تكن سياسية بالمعنى الخاص،ولكنها انسانة ارادت ان تتلمس حياتها ومستقبلها على نحوٍ من الحرية؟الحرية التي تبيح لك أنتقاد اولئك الذين قادوا البلد نحو الهلاك والدمار والتخلف،حرية طوّحت بها الى هذا المصير المعتم.

داهمه هذيان غريب لف تفكيره فهو لايلوي على شئ سوى ان يقف خائفآٓ مرتجفآٓ من هول الشجاعة التي اقدم عليها زميله الطبيب.كان يجري عملية غسل المعدة بدون خوف او تردد صرخ بوجهه ان يتقدم لكي يُعاونه ،فالعملية برمتها بحاجة الى اكثر من شخص،لكنه ظل صامتآٓ ساكتآٓ مرتعد الجوارح صاح به:-لم اكن اعتقد أنك جبان الى هذه الدرجة؟!

انها اختك،وشرفك؟

شعرت بعمق الأهانة التي يوجهها اليه .

ضغطت برفق على كفه كي يكف عن إيذاء مشاعره.

انغلق على نفسه تمامآٓ منحدرآٓ من عالم الخوف الذي لايزايله الى عالم الجنون،الجنون الذي يجعلك أكثر انطلاقآٓ وحرية وهو يراها وجها لوجه دون ان يتمكن من احتضانها او انقاذها او نقلها الى عالم اكثر دفئآٓ وامانآٓ...

احضان أمها التي قتلتها الشوق والانتظار من انها ستعود مع صديقاتها.

انحنى على يدها يقبّلها ،كانت الدموع تنبعث من عينيه دون توقف،لكنها الأن باردة كالثلج تحدق في الأفق البعيد..أفق ليس فيه قيد او ألم او متابعة.

 

المشـاهدات 59   تاريخ الإضافـة 29/10/2024   رقم المحتوى 55099
أضف تقييـم