الأحد 2024/12/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
حلم التعيين الحكومي وهوس الشمول براتب الرعاية الاجتماعية
حلم التعيين الحكومي وهوس الشمول براتب الرعاية الاجتماعية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د. صدام العبيدي
النـص :

لم يعرف العراقيون هذا الإقبال على التعيين الحكومي إلا بعد عام 2003 حيث كانت قلة الرواتب في فترة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق سبباً من أسباب العزوف عن الوظيفة العامة، لكن بعد تحسن الرواتب بشكل ملحوظ بعد 2003 ازداد الإقبال على الوظيفة العامة بشكل كبير وملفت النظر، فحلم الشاب والخريج اليوم هو الحصول على الوظيفة لدى الدولة؛ لما تحققه هذه الوظيفة من دخل ثابت، واستقرار وظيفي، وراتب تقاعدي على الرغم من محدودية الراتب الحكومي وخصوصاً للدرجات الدنيا، فراتب هذه الدرجات لا يتجاوز الـ 300 ألف وحتى راتب الموظف الحاصل على الشهادة الجامعية الأولية ضمن الدرجة السابعة فراتبه الكلي لا يتجاوز في أحسن الأحول 600 الف دينار مع وجود تفاوت في الرواتب تبعاً لاختلاف الوزارات والمؤسسات نتيجة عدم وجود سلم رواتب موحد، فهذه الـ 600 الف دينار أو أكثر بقليل قطعاً لا تكفي حتى لعائلة صغيرة لا سيما إذا كانت العائلة تسكن بالإيجار، وهذا حال كثير من العوائل مع وجود أزمة بالسكن وقلة الوحدات السكنية، فالإيجار يستهلك أكثر من ثلث الراتب إن لم يكن نصفه، وما يتبقى من الراتب لا يفي بمتطلبات الحياة الكثيرة من أكل وشرب وملابس وعلاج وأجور نقل وكهرباء ومولدة وانترنت وماء وما إلى ذلك، لكن الشباب الخريج والعاطل عن العمل يستقتل من أجل الحصول على التعيين لدى الدولة نتيجة عدم وجود فرص عمل، فالقطاع الخاص في العراق ضعيف بل ضعيف جداً ولا يستطيع أن يستقطب اليد العاملة من الشباب، لذا صار حلم الشاب الخريج وحتى غير الخريج التعيين لدى الدولة مهما كان الراتب ضئيل على قاعدة: ساقية جارية ولا نهر مقطوع، فالعمل في القطاع الخاص غير موجود ومتاح لكل أحد وإن وجد فهو غير مضمون، لأن الدولة لم تنجح ولحد الآن في توفير ضمانات كافية تطمئن الشباب العاطل للتوجه إلى القطاع الخاص، فلا زال العمل في القطاع الخاص يخضع لمزاج صاحب العمل، فالعامل والموظف بالقطاع الخاص أسير رضا صاحب العمل، ويعمل تحت سطوته وشروطه، ويخضع لتعسفه، فالحكومات المتعاقبة بعد 2003 لم تنجح ولحد الآن من تفعيل دور القطاع الخاص باعتباره شريك أساسي في استقطاب اليد العاملة، والقضاء على البطالة، والنهوض بالواقع الاقتصادي للبلد، لكل هذا صار حلم الشاب العراقي التعيين في القطاع العام على الرغم من الكم الهائل من الموظفين، فالعراق من أكثر الدول بعدد الموظفين مقارنة بعدد سكانه، فدول كبرى يزيد عدد سكانها على العراق بعشرات الأضعاف ليس لها هذا العدد الهائل من الموظفين، فالقطاع العام يشغل حالياً نحو 5- 6 مليون موظف مع ضعف انتاج العاملين التي لا تتجاوز في كثير من الأحيان 20% من القدرات الفعلية، إضافة إلى المتقاعدين والمشمولين بقانون مؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين، والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية الذين يشكلون مليونين و 150 ألف حسب بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حزيران 2024، لذا تلتزم الحكومة بدفع رواتب لما يزيد على 13 مليون مواطن، لكل هذا صارت قناعة عند أكثر العراقيين أن العمل في القطاع العام هو الأفضل، وأنه لا بد من الحصول على راتب من الدولة بأية طريقة حتى لو كان بلا عمل من خلال الاستفادة من الرعاية الاجتماعية وإن كان هذا الشخص لا يستحق ذلك! هذه القناعة دفعت حتى بعض الاغنياء لمحاولة الحصول على راتب من الدولة من خلال بوابة الرعاية الاجتماعية، وكم تم اكتشاف الكثير من الاشخاص الذين يتقاضون رواتب الرعاية الاجتماعية وهم يملكون سيارات آخر موديل، ويملكون الأراضي الزراعية والعقارات والمشاريع الخاصة! وقد ساهم الفساد الإداري والمحسوبية واستخدام بعض النواب والوزراء والمسؤولين هذا الملف في الدعاية الانتخابية والترويج والتثقيف لهم حيث يعمد الكثير من هؤلاء المسؤولين إلى استخدام نفوذهم لدى وزارة العمل في الحصول على أوامر إدارية بشمول من يتقدم إليهم بطلبات الشمول بالرعاية الاجتماعية وإن كانوا لا يستحقون هذا الراتب، فيحرم المستحق ويعطى غير المستحق، لكل هذا صار عند العراقيين هوس الراتب حتى صارت مقولة: ما عندي راتب أو ليس لدي راتب متداولة حتى على ألسن بعض الأغنياء وأصحاب المشاريع الخاصة وبعض التجار، وقد سمعت مرة قبل سنوات من شخص يعمل بتجارة السيارات فعندما تمت مساومته على سيارة بقصد تخفيض سعرها قال: أني ما عندي راتب!! فهذه الثقافة وذلك الفكر لا بد من تغييره من خلال تفعيل القطاع الخاص وتوفير الضمانات الكافية للعاملين فيه، والتشجيع على إقامة المشاريع الخاصة من خلال منح الدولة القروض الخالية من الفوائد، وتقديم كل أنواع الدعم الحكومي لذلك، والتحقق من توفر شروط الشمول بالرعاية الاجتماعية في الأشخاص المتقدمين للاستفادة من هذه الرعاية، وعدم السماح بجعل هذا الملف الانساني يخضع للأغراض السياسية والدعاية الانتخابية والترويج للمسؤولين والتثقيف لهم.

المشـاهدات 66   تاريخ الإضافـة 17/11/2024   رقم المحتوى 55825
أضف تقييـم