الخميس 2024/11/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
صاحب نوبل للآداب (الروائي نجيب محفوظ) كاتباً مسرحياً
صاحب نوبل للآداب (الروائي نجيب محفوظ) كاتباً مسرحياً
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

د. حيدر علي الاسدي (كاتب وأكاديمي)

 

قلة نادرة من القراء يعرفون ان الفيلسوف والسياسي والمفكر الإيطالي صاحب كتاب الامير (ميكافيلي) كان قد كتب مسرحية (الماندراغولا) والامر ينطبق كذلك على الروائي المصري الكبير (نجيب محفوظ) وهذا ما سنتحدث عنه في هذه المقالة، فنجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا المعروف بـ(نجيب محفوظ) والمولود سنة 1911 والمتوفي سنة 2006 وهو أول مصري وعربي ينال نوبل في الادب كان ذلك عام 1988 وهو صاحب (35 رواية) و(223 من القصص) و (19 مجموعة) و(55 كتابا) وقرابة 26 سيناريو سينمائي، لا يعرف عنه الكثير من القراء العرب بانه كتب ايضا (للمسرح) وبدأت رحلته مع الكتابة المسرحية بالتحديد عام 1969 مع صدور مجموعته القصصية (تحت المظلة) التي ضمنها خمس مسرحيات والتي كانت تمثل ردة فعل على هزيمة 1967 ، ونشرت مسرحيته السادسة في مجموعة القصصية (الجريمة) عام 1973 بينما نشر السابعة والثامنة ضمن مجموعته القصصية (الشيطان يعظ) عام 1979 أي ان محفوظ لم يكتب سوى ثمان مسرحيات فقط طيلة مسيرته وان تعددت الآراء فيما اذا كانت هناك 12 مسرحية قد كتبها ولكن دار الشروق للنشر قد حسموا الامر مؤكدين على ان نجيب محفوظ كتب 8 مسرحيات صدرت في مجاميع سردية متفرقة وتم جمعها من دار الشروق (2006-2008) في كتاب واحد بعنوان (المسرحيات) وامتلك شخصياً نسخة ورقية من هذا الكتاب والذي جاء في معلوماته (صدرت مسرحية المطاردة عام 1973 ضمن كتاب الجريمة وصدرت المسرحيات الباقية عام 1969 ضمن كتاب تحت المظلة) والطبعة الأولى عن دار الشروق (2006) والطبعة الثانية (2008) وكانت عتبة الغلاف تضم عبارة اسم المؤلف (نجيب محفوظ/ مذهبة) وبالأسفل كتب (المسرحيات) دون أي إضافات أخرى والكتاب بواقع (273 صفحة) وفي ختام الكتاب تحت عنوان (اعمال نجيب محفوظ) تم ذكر (55 عملاً) ما بين المجاميع القصصية والروايات ابتداءً من 1932 ووصولا الى 2004، واحتوى هذا الكتاب على مسرحية (يميت ويحيي، التركة، النجاة، مشروع للمناقشة، المهمة ، المطاردة) فضلا عن (الجبل التي تتجلى فيها سمات الحارة كما يفعل محفوظ مع سردياته الروائية، وهناك أيضا نص الشيطان يعظ : مسرحية من فصل واحد- مستوحاة من مدينة النحاس الف ليلة وليلة) وجل هذه النصوص المسرحية يغلب عليها النفس السردي والطابع الحكائي اكثر من الدرامي ،فهو حتى في الارشادات المسرحية يهيمن على لغته فضاء السرد كما في مقدمة مسرحية (النجاة) وكذلك في مسرحية ( المهمة/ شخصية الشاب ص 161 – 162) من هنا نلاحظ ان نجيب محفوظ لم يصدر مسرحياته تلك (في حياته) على شكل كتاب منفرد بل كانت مجرد تجربة عابرة في محاولة استيعاب لغة العصر التي سيرد الإشارة لها عبر تصريح نجيب محفوظ ذاته ، فما الذي يدفع روائي ناجح مثل نجيب محفوظ لكي يجرب كتابة جنس ادبي جديد هو المسرح بعيد عن مناطق السرد التي برع فيها محفوظ ونال شهرته من خلالها ، سيأتي الجواب من خلال نجيب محفوظ ذاته ففي حوار مع محفوظ منشور في مجلة الكاتب 1964 قال: ان الجدل العقلي هو الصفة الغالبة للتفكير المعاصر وبالتالي فان الشكل الادبي المناسب للعصر هو فن المسرح بوصفه الشكل الفني الذي يرتكز اساساً على الجدل والحوار وصراع الافكار وفنون الفرجة. ان محفوظ لم يتجرأ ويطلق على نصوصه بانها مسرحية الا عبر نص واحد وصفه (مسرحية من فصل واحد) وكان يخالف المعتاد من المطبوعات ويصدر تلك المسرحيات ضمن (مجاميع قصصية) كما ذكرنا ذلك، وبراعة محفوظ السردية لا تعني عدم قناعاته بفن كتابة المسرحية على الاطلاق فقد قرأ محفوظ جيداً مسرحية صامويل بيكت (نهاية اللعبة) وكتب عنها مقالاً نقدياَ آنذاك في صحيفة المساء المصرية يحلل من خلالها مقاصد بيكت في ذلك النص المسرحي وهذا ما سنراه ينعكس فكرياً على كتابات محفوظ واعني فلسفة العبث بخاصة بعد هزيمة 1967 واستيعاب الصدمة من خلال الكتابات القائمة على الفرجة والادائية ومنها اكيد (المسرح) والذي يمثل توعية وايقاظ وثورية تحريضية واحتجاجية للجماهير العربية إزاء ما يحصل في الواقع من انكسار وقتذاك، ليس هذا وحسب ففي احدى تصريحات محفوظ مع مجلة المسرح المصرية عام 1979 يوضح علاقته بالمسرح بقوله : "حضرت بصحبة ابي بعض تمثيليات الريحاني والكسار، وبدءاً من عام 1925 عرفت الطريق الى روض الفرج، وكان حافلا بمقلدي هذين العلمين، فشاهدت كثيراً من المسرحيات التي كانوا يقدمونها في ازمنة سابقة اثناء الحرب العظمى "حرب 1914" وبعد ذلك عرفنا طريقنا في المسرح المصري في الثلاثينات وما قبلها قليلا، شاهدنا يوسف وهبي وفاطمة رشدي والكسار وعزيز عيد".

وعلى الجانب الاخر من المسرح فقد قدمت لنجيب محفوظ عروضا مسرحية بالاستناد الى نصوصه (السردية) من ناحية الاعداد والتوليف والاقتباس كما حصل مع رواية (زقاق المدق) التي تم عرضها عام 1958 من إعداد أمينة الصاوي وإخراج كمال يس، ثم مسرحية (بين القصرين/ عن رواية بين القصرين) وهي من اعداد امينة الصاوي واخراج صلاح منصور واعيد انتاج (العرض المسرحي زقاق المدق) الذي قدم في القاهرة 2006 وأيضا رواية (بداية ونهاية) التي تحولت لعمل مسرحي اذ عُرضت بداية ونهاية عام 1959 على المسرح القومي بالقاهرة من إخراج نور الدمرداش وعبد الرحيم الزرقاني وإعداد أنور فتح الله وكذلك تحولت نصوصه السردية (تحت المظلة) و(افراح القبة) الى عروض مسرحية، وعام 2013 شهد احد مسارح العاصمة التشيكية براغ عرضاً مسرحيا باللغة العربية عن رواية نجيب محفوظ (القاهرة الجديدة) قدمه طلبةُ معهد دراسات الشرق الوسط وإفريقيا في جامعة كارل العريقة. وهناك ثمة مسرحيات اشبه بمسرحيات سيرة كتبت عن حياة نجيب محفوظ وسردياته مثل (شقة عم نجيب) التي قدمت في مسرح الغد في القاهرة عام 2018 من تأليف سامح مهران وإخراج جلال عثمان وهي تتحدث عن ابتعاث الشخصيات الروائية لمحفوظ كأشباح في شقة مهجورة، ان نجيب محفوظ طرق باب المسرح بعد 23 عملاً ادبياً بين القصة والرواية ، كما ان اللجوء الى شكل الكتابة المسرحية الدرامية كان اثراً للحاجة السيكولوجية للكاتب تزامناً مع الاحداث السياسية والاجتماعية آنذاك - بعد الهزيمة - وهي لحظة اطلقت عليها لحظة القلق الفكري وعدم الاتزان النفسي بالتعبير ومحاولة البحث عن اسهل الأساليب والطرق للوصول الى الجمهور او محاولة التعبير الداخلي عن الغضب من مجريات الواقع والبحث عن أساليب تعبير ناقمة، لذا نجد غالبية شخوصه المسرحية بوهيمية غامضة في حياتها اليومية الواقعية وهو جزء من جنوح محفوظ الى أسلوب العبث واللا معقول آنذاك ، ناهيك عن ان محفوظ لم يطرح نفسه ككاتب مسرحي بقوة على عكس بقية السراد الذين اهتموا بالكتابة المسرحية والإنتاج المسرحي وتابعوا نتاجهم عن قرب ، لذا يحكي نجيب محفوظ عن ابنتيه أنهما في مرة كانت تُعرض مسرحية له على التلفزيون فقاما إلى النوم وتركاه وحده، لذلك أشار العديد من نقاد المسرح الى فشل هذه التجربة حتى على مستوى الدراسات والبحوث فهي قليلة ونادرة جداً عن مسرح نجيب محفوظ وكذلك تحول تلك النصوص الى عروض لم يكن بالظاهرة المتكررة بل قدمت داخل أطرها المحلية في مصر وتجارب لم تلاق الشهرة الواسعة والانتشار الواضح ، هذا ما يؤكد على عدم رسوخ تلك التجربة او نضوجها بالدرجة ذاتها التي برع فيها محفوظ في القصة والرواية، فكان سارداً بامتياز ولكنه كان كاتباً مسرحياً مغموراً.

المشـاهدات 39   تاريخ الإضافـة 17/11/2024   رقم المحتوى 55894
أضف تقييـم