الأربعاء 2024/11/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 13.95 مئويـة
فوق المعلق ضجيج الآفاق وسكينة الروح
فوق المعلق ضجيج الآفاق وسكينة الروح
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب صباح ناهي
النـص :

لفرط البوح الذي تحويه رسالة الدكتور علاء التميمي عالم الطاقة الذرية العراقي ، حول معنى ان يحيا الانسان ( خريف العمر ) وهو يكتب من مهجره في الضفة الاخرى من الأطلسي في كندا ، هذه الخاطرة ، قررت نشرها كما وردتني ؛

( في خريف العمر، وددت أن أراجع ما فات من عمري حيث عشت ثلثي عمري خارج بلدي الذي ولدت فيه مختلطا مع  مجتمعات شتى، من شرق العالم في نيوزلاندا  إلى غربه في كندا .

أدركت بعد هذا العمر أن رحلة الحياة ليست سوى انعكاس لرحلة أعمق داخل النفس. طوال تلك السنوات، كنت أسعى لفهم ما يربط بين الإنسان وعالمه، بين ضجيج الآفاق حولي وحيرة الروح داخلي وقد توصلت، بعد كثير من التأمل والخبرة، إلى أن تصالح الإنسان مع نفسه هو مفتاح شعوره بالهدوء والرضا.

تتردد دائما في ذهني آية من القرآن الكريم: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم” التي كانت دائمًا محفورة في وجداني. رأيت في الآفاق عظمة الخالق لا حدود لها وأمم متنوعة الثقافات لكنها تتشابه في جوهرها الإنساني. ورأيت في النفس البشرية عالمًا معقدًا، حيث يتصارع الإنسان مع رغباته وأفكاره في محاولة لفهم ما يريده حقًا حيث تتنازع القيم والمبادئ في نفسه مع الرغبة و الشهوات في جسده.

في شبابي، كنت أعتقد أن السعادة تكمن في الإنجاز  والتقدم في الدراسة والحصول على الشهادات العليا او  المناصب في العمل أو  ربما في السفر و الترحال، أو حتى في سعيي لتغيير العالم من حولي لكن مع تقدمي في العمر، أدركت ما مقولة الفيلسوف إريك فروم التي أراحتني وهي ان “السعادة ليست شيئًا تمتلكه، بل حالة تكون فيها.” السكينة ليست في الخارج، بل في الداخل. إنها لحظة تصالح مع النفس، حين يدرك الإنسان حدوده ويقبلها، وحين يسامح ضعفه ويسعى لتطوير قوته.

في كل مجتمع عشته، رأيت التحديات ذاتها وإن اختلفت مظاهرها: البشر في صراع مع أنفسهم قبل أن يصارعوا ظروفهم. هذا الصراع الداخلي هو مصدر القلق والاضطراب. لكن حين ينظر الإنسان في أعماقه، ويبدأ في فهم دوافعه وخوفه ورغباته، فإنه يصل إلى ما وصفه الفيلسوف رالف والدو إيمرسون: “لا يمكن للإنسان أن يجد السلام إلا إذا تصالح مع نفسه.”وهو ماسعيت اليه حيث انعكس ذلك على مظهري  الذي يؤكد اصدقائي ومعارفي ان من يرى صورتي في الثلاثين من عمري لا تختلف كثيرا وانا في بداية السبعينات.

لقد علّمتني الحياة أن التصالح مع النفس يعني قبول تناقضاتها، والاعتراف بأنها مزيج من الخير والشر، من الروح والجسد، من السمو والغريزة. وعندما يتوقف الإنسان عن الهروب من نفسه أو محاولات تغييرها بالقوة، يبدأ في الشعور بالرضا. هذا الرضا لا يعني الكمال، بل القبول. قبول ضعفك ورغباتك، وفي الوقت ذاته السعي لتوجيهها لما ينفعك وينفع من حولك.

إن التأمل في الآفاق يعلمك أن الكون يمضي بنظام دقيق لا يتوقف من أجل أحد. والتأمل في النفس يعلمك أن تسير مع هذا النظام بدلاً من أن تقف ضده. إنه إدراك بسيط لكنه عميق: السكينة ليست في امتلاك العالم، بل في أن تمتلك نفسك.

في النهاية، أقول لكل من يبحث عن السعادة والرضا: اغلق عينيك وتأمل في داخلك سامح نفسك على أخطائك، واستمع لصوتك الداخلي بعيدًا عن ضجيج الخارج. هناك، في أعماقك، ستجد باب السكينة مفتوحًا في انتظارك.

التوقيع ؛

علاء التميمي تورونتو-كندا / 2024)

بهذه المعاني الكبيرة يحيا واحد من علماء العراق في غربته

المشـاهدات 32   تاريخ الإضافـة 26/11/2024   رقم المحتوى 56290
أضف تقييـم