الخميس 2024/12/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 18.95 مئويـة
نيوز بار
مهرجان انا عراقي.. انا اقرأ نافذة لحياة خصبة
مهرجان انا عراقي.. انا اقرأ نافذة لحياة خصبة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

علي الإمارة

ما إن دخلت الى حدائق أبي نؤاس حيث المهرجان الكبير حتى وصلت الى ممر بدا منه المسرح بلافتة كبيرة تحمل عنوان المهرجان.

استقبلتني أشياء كثيرة أولها الأمل فكثرة الناس جعلتني أسير على سجّادة الدهشة وأحلق في فضاء الانبهار.. رأيت بغداد بأبّهتها الثقافية حاضرة وهي ترتدي ثياب العصور جميعها وتنثر ملامحها الحضارية على وجوه أبنائها الحاضرين ومن ضمنهم نحن القادمون من المحافظات فنحن أبناؤها أيضاً واذا شئت قل إن العرب ابناء بغداد ايضاً فأمومة بغداد ليس لها حدود..

كما استقبلني الأمان فلا شيء يُقلق من هذا التجمع الغفير فالوجوه تقطر محبة وإلفة كما إن الوئام والانسجام يعم المكان. حتى الاشجار شاركت بالفعالية ليس بحضورها الاخضر فقط بل انها رفعت اللافتات والعناوين وصارت اغصانها وأوراقها جزءاً من الجمهور.. أمّا العشب الأخضر البغدادي فقد احتضن الجميع فاليوم يومه فبادلته الناس خضرة الحب بل افترشوا حنانه وأنصتوا الى نشيده العراقي..

ولنبق مع سحر المكان فقد كان دجلة يقرأ قصيدة الفخر حين التصق أبناؤه بضفافه بل شكلوا له الشاطئ الثالث هذا الشاطئ الذي لا يراه ولا يُحس به سوى الراسخين بالحب والشعر..

هذا الشاطئ غرق فيه الكثير من المبدعين.

أمّا خلف النهر فتبدو المنطقة الخضراء التي أرى أن منطقتنا من هذا الجانب أكثر خضرة فنحن نملك خضرة الأدب والثقافة والفنون.

لنبق مع دجلة وهو يسمعنا نشيده المائي ويشاركنا في القراءات ويصعد الى المسرح لينتصب شاعراً!

حتى الفرات ليس بعيداً عنا فهو على مرمى قصيدة وقد اشرأبت اعناقه لحفلنا البهي فحضورنا رافديني وقلب واحدنا يقول نبضه:

يا ابن الفراتين قد أصغى لك البلدُ

زعماً بأنك فيه الصادح الغردُ

بل إن الرافدين يأخذان بريدنا الشعري ويذهبان به الى البحر وهما ينثرانه في طريقهما على المحافظات والأقضية حتى يصبحا قصيدة واحدة أو ًنهراً واحداً تحت شجرة آدم لينهض شط العرب حاملاً الحكايا والأناشيد من الأعماق الى الأفاق..

نعود الى موقعنا

موقع الإقبال على القراءة من قبل الحشود التي تفيّأت ظلال الحكمة ولا سيما الشباب الذين شاركوا بفعاليات ثقافية مختلفة وناصروا قضية الشعب الفلسطيني وقضية لبنان وعبّروا بنصوصهم الجميلة عن تضامن الأخوّة.. بل قرأوا لشعراء فلسطينيين منهم ابراهيم طوقان وقصيدته المعروفة (فدائي).. وغيرها من القصائد

الأمر الملفت للنظر أن القراءة كانت محوراً دارت حوله النشاطات الاخرى، القراءة أثبتت أنها مظلّة كبيرة من مظلّات الوطن فالذين حضروا الواقعة ليسوا قراء أو كتّاباً فحسب بل من كل أطياف المجتمع جذبهم مغناطيس التسمية (انا عراقي..) أي ان الدعوة لكل عراقي يريد أن يعبّر عن عراقيته تحت مظلّة هذه التسمية، ثم (أنا أقرأ) أي إن العراقي يولي القراءة اهتماماً بالغاً ولا سيما حين يتواجد في فضاء القراءة المؤلفون أنفسهم الذين حضروا مع كتبهم وهم يرونها تتنقل بين الأيدي والصدور وهنا نذكر بين الشاعر بدر شاكر السياب:

يا ليتني أصبحت ديواني

لأفرَّ من صدر الى ثانِ

لا أحد يخرج من هذا الكرنفال يده فارغة، بل لا أحد يخرج منه وقلبه فارغ فالعطايا كثيرة وكبيرة وأولها عطايا القلوب النابضة بحب العراق، فأنت تخرج وقلبك ممتلئ بالعراق من جديد لأن الثقافة وطن متجدّد والقراءة اقبال على الحياة والحشد الكبير صورة لوحدة الوطن، ولا سيما أن المدن والمحافظات كلّها حضرت أمّا في كتاب أو في قلب محب جاء ليحلق في فضاء محبته وليلتحق بركب الثقافة العراقية في أحد ميادينها الأكثر ازدحاماً وحضوراً.

 كل الحاضرين ركبوا  سفينة نوح العراق ليحافظوا على النوع الحضاري ويحموه من الغرق، فعلى أكتاف دجلة او لنكن أكثر تحديداً على كتفه الرصافي، بدا المشهد العراقي ناصعاً وقد حضرت وسائل الإعلام لتنقل صورة المشهد وتبثّه للعالم مفاده أننا شعب يقرأ ويتطلع الى المستقبل بعيني صقر عين الشاعر التي تحلّق فوق التاريخ ولا تقع فيه فالشعر تحليق لا وقوع والشعب العراقي شاعر أو قل إنه حالم يذهب الى مساحة حلمه من دفتي كتاب فالكتاب فرصة لصناعة الحلم واستعادة المفقودات من أروقة التاريخ، ولكن هذا الشعب حين يحلم لا ينسى أدوات حلمه الواقعية وأوّلها العلم فهو شعب حالم عالم يعلم أن اشتراطات الحلم الحضاري تبدأ بالمعرفة ومعطياتها وشخوصها على أرض الواقع..

التقيت في جولتي بأصدقاء أدباء أعزّاء ولكن سرعان ما أخذني المشهد منهم، فالمشهد القرائي العام عزيز أيضاً تذوب فيه معزة الأصدقاء فصار الكل اصدقاء ومعارف وصار العراق الحاضر هو الأعز فالوطن يلوح على ملامح الجميع، ودجلة يخترق المشهد ليبلل الجميع بماء الوطن ويزيح اليباس من على الوجوه والأيدي والأيام ويلقي ساعاته المائية على أرض القراءة والوجود الحضاري الفائق.

 كانت رغبة دجلة أن يمط اليوم الى أكثر من ساعاته فتجعل منه تاريخاً لا أياماً وشهوراً وسنوات،

فدجلة زمن ممتد في العصور لا مكاناً جارياً فحسب، هكذا هو في ضمير العراقيين..

(أنا عراقي..) أي أنا معني بكل تفاصيل الحضارة وإعادة صناعتها أو بعثها من جديد.

و(أنا اقرأ) أي انا ماثل في باطن الكلمة وحاضر في فضاء الحرف

أنا الكلمات حين تغدو شراعاً يطّوع الريح لإرادته ويصطادها في المسافات البعيدة وإن كان شراعاً رخصاً:

وودت ذاك الشراع الرخص لو كفني

يُحاك منه غداة البيت يطويني

العراقيون صنّاع أشرعة تسابق الريح مهما كانت عاتية.. أشرعة معرفة وإرادة

 

إنّهم بحاجة الى هكذا مهرجانات وتجمّعات ليعبّروا عن ذواتهم الجمعية فيها بعيداً عن الاستلاب والاغتراب.. إنّهم بحاجة الى فرصة للتعبير عما يجيش في أعماقهم من هواجس حضارية تعيد لهم اتزانهم التاريخي..

إن هكذا مهرجانات منصّة لتلقي من عليها الذات الجماعية خطابها شعراً ونثراً ورسماً وتصويراً.. إنّهم يبحثون عن منصة ليستمعوا الى بعضهم ويرى بعضهم ملامح بعض، فرصة ليقرؤوا بعضهم فكل واحد منهم كتاب يبحث عن المتلقي، وهنا أذهب الى بيت القصيد أو مربط الفرس من مهرجان القراءة أي أن يقرأ العراقيون بعضهم ويستمعوا الى نبضهم النفسي والاجتماعي والثقافي..

 إنها فرصة مرآتية ليرى كل واحد منهم نفسه على مرآة الآخر، نحن بحاجة الى مرايا صافية لم تهشّمها أو تخدشها حجارة الزمن، نحن نصوص تبحث عن مرايا  التلقي  وخير هذه المرايا ذواتنا التي تحاول الظروف الصعبة ابعادها عن بعضها لكن هناك أكثر من حبل مشترك يشدّنا الى سطح السفينة..

أعود الآن الى لحظة دخولنا الى المهرجان فقد كان معي الشاعر منذر عبد الحر وفي مدخل المهرجان كانت هناك سجّادة حمراء على جانبيها العشب الأخضر.. منذر اختار أن ننتمي للعشب وللون الأخضر فلم يدخل على السجادة الحمراء وتبعته أنا فالعشب المدخل الطبيعي للشعراء ولكن ما إن تمشينا قليلاً في ساحة المهرجان حتى غاب عني منذر وذاب في الجموع الغفيرة وأنا الآخر ذبت في المشهد ولكن قبل الذوبان التقينا بأصدقاء منهم جمال جاسم أمين وعبد الأمير المجر وليلى عبد الأمير وأخذنا صورة لنخلد اللحظة ولنصطاد غزالة الزمن الهاربة..

المشـاهدات 169   تاريخ الإضافـة 01/12/2024   رقم المحتوى 56470
أضف تقييـم