قراءة نقدية سيميائية في رواية :الياسمين السومريّ – للكاتبة : سمر الديك – فرنسا – سوريا . |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : كريم عبدالله رواية ((الياسمين السومري)) للكاتبة سمر الديك هي نص أدبي معقد يجمع بين الشعرية السردية والرمزية في إطار يعكس الحروب والآلام التي تعيشها الذات الإنسانية في زمن الأزمات. تطرح الكاتبة في روايتها مواضيع فلسفية عميقة تتعلق بالغربة، والوطن، والموت، والتفكك الذي يعيشه الأفراد في الظروف القاسية. من خلال سيميائية الرواية، نستطيع أن نستخرج جوانب عديدة في النص تشير إلى الصراع بين الهويات والتجارب الحياتية التي تتداخل بين الحضور الغربي والشرقي، وكذلك العلاقة بين الإنسان وأرضه. الرمزية والتكوين السيميائي الرمز المركزي في الرواية هو ((الياسمين السومري))، وهو رمز يرتبط بالأرض والتاريخ العميق، خاصة في سياق سومر، التي تعتبر مهد الحضارة الإنسانية. ((الياسمين السومري)) قد يكون رمزًا للتواصل بين الماضي والحاضر، بين الأرض والجنس البشري الذي يعيش فيها، وبين الحياة والموت. الياسمين هنا ليس مجرد زهرة، بل رمز للأرض التي يفتقدها الإنسان في الشتات، وتلك الذاكرة الثقافية التي تمحوها الحروب والآلام. أما السرّ المفقود الذي يشير إليه النص فيربط بين الموت والغربة على نحو فلسفي، حيث الموت هنا ليس فقط النهاية الفيزيائية للحياة، بل هو أيضا نوع من الاغتراب الروحي والعاطفي الذي يعيشه الإنسان في عالم تسوده الحروب والمآسي. فالموت في هذا السياق يشير إلى التفكك الروحي والجسدي الذي يعانيه الإنسان الغريب عن وطنه، المنفصل عن جذوره الثقافية والوجودية. الإنسان والغربة: موضوع الغربة في الرواية يظهر بوضوح في السعي المستمر للمهاجرين واللاجئين للوصول إلى ((أرض الميعاد))، في محاولة للهروب من الحروب أو لتجاوز المآسي التي تهدد حياتهم. لكن الغربة في ((الياسمين السومري)) لا تعني فقط البعد الجغرافي، بل تشير إلى الغربة الداخلية، العاطفية والنفسية، التي تصاحب الذات المهاجرة وتفقدها هويتها وتجعلها غارقة في الأسئلة عن معنى الحياة. الذات الإنسانية في الرواية تصبح ((غريبة)) في أوطانها كما هي في المنافي، وتعاني من انفصال عن ما هو ((أصيل)) و((حقيقي))، وتبقى تائهة تبحث عن السر المفقود الذي يربطها بماضيها وحضارتها. هذا السر، الذي لا يُكتشف إلا من خلال العودة إلى الجذور، يعكس غياب الاستقرار والطمأنينة الداخلية.
الموت والحرية: في الرواية، يشير الموت إلى الفصل النهائي بين الذات وواقعها المعيش، لكن هناك تحول سيميائي في كيفية رؤية الموت في هذه الحالة. الموت في ((الياسمين السومري)) ليس نهاية مأساوية بل هو تحرر. الأرواح التي تتحرر من الأجساد تصبح خالية من الأحزان والأعباء، وتستطيع أن تطير بعيدًا عن الحروب والآلام. هذا التفسير السيميائي يعكس النظرة الفلسفية التي ترى في الموت تحررًا من القيود المادية، بينما يبقى الحزن على الافتراق هو الذي يحزن البشر. النسيان والبحث عن المعنى: نجد في الرواية أن ((السر المفقود)) هو في جوهره ((الذاكرة))، هي الذاكرة التي فقدها الإنسان في مسار الحروب والعنف الذي دمر البشرية. الكاتبة تشير إلى أن الإنسان يعيش في زمن من النسيان المستمر لثقافته وهويته، وأن البحث عن ((الياسمين السومري)) هو محاولة للعودة إلى هذا الماضي الضائع. ولكن مع غياب تلك الذاكرة، يصبح السؤال عن معنى الحياة والموت أبديًا، ولا يمكن للإنسان أن يجد سكينته في ظل تلك الفراغات السيميائية. الختام: في النهاية، تقدم الكاتبة سمر الديك من خلال هذه الرواية رؤيتها للحروب وأثرها على الفرد والمجتمع، وكيف أن الموت والغربة لا يفرقان فقط بين الجسد والروح، بل أيضًا بين الإنسان ووجوده، وبين الماضي والحاضر. سيميائياً، يمكن القول إن (( الياسمين السومري)) هو رمز للاتصال بين الأرض والفكر والحياة، ويمثل في ذات الوقت الأمل في العودة إلى الجذور والبحث المستمر عن المعنى في عالم مليء بالضياع. الرواية تسلط الضوء على قسوة الحروب وتدمير الهويات الإنسانية، لكنها في الوقت ذاته تعطي أملًا في التحرر الروحي، مما يجعلها عملاً أدبيًا يتناول مواضيع معقدة بشكل عميق ودقيق. |
المشـاهدات 38 تاريخ الإضافـة 03/12/2024 رقم المحتوى 56578 |