النـص : استفزتني بشدة، تصريحات رئيس الحركة القومية التركية دولت بهجلي، في كلمته في البرلمان التركي، الذي وقف أعضاؤه مصفّقين بحرارة تأييدا لهذه التصريحات، التي لا يمكن وصفها إلا بالجاهلة و الغبية، إذ قال بهجلي إن حلب تركية و عادت الى أحضان تركيا. و لولا قيام أعضاء البرلمان التركي مصفّقين لبهجلي على هذا التصريح، لقلنا بأنه تصريح فردي يعبّر عن جهل و غباء بهجلي الناشئَين من عنصرية قومية بغيضة، بيد أن تأييد أعضاء البرلمان التركي له، كشف عن مستوى الجهل و الغباء و العنصرية التوسعية، لدى عموم الطبقة السياسية التركية الممثلة في البرلمان التركي. لقد غاب عن بهجلي و من لفّ لفّه، أن حلب، في الوقت الذي لم تكن فيه تركيا شيئا مذكورا، كانت اسما لامعا في التاريخ.إن القسطنطنية التي صارت فيما بعد إسطنبول، كانت قرية للصيادين، ثم تأسست على يد البيزنطيين عام 658 ق.م، بينما حلب التي أثبت علماء الآثار وجودها في موقعها هذا قبل 5000 عام، ظهرت بهذا الاسم في وثائق الدولة البابلية القديمة، في الألف الثالث قبل الميلاد، و كانت عاصمة مملكة مستقلة هي مملكة أرمان. لقد دخل العثمانيون حلب محتلين، إثر معركة مرج دابق سنة 1516 ، دخلوها وهي آنذاك، مركز عريق و عظيم من مراكز السياسة و الثقافة و الاقتصاد. ألا يعلم بهجلي، أن قلعة حلب، تعود الى الألف الأول قبل الميلاد، و لم تكن تركيا إذ ذاك شيئا مذكورا؟ألا يعلم بهجلي، أن الجامع الأموي الكبير في حلب، الذي بناه الوليد بن عبد الملك، يعود تاريخه الى 715 م، و أن المدرسة الحلاوية في حلب يعود تاريخها الى 1124، و قد كانت قبل ذلك كنيسة سانت هيلين، و أن المدرسة المقدمية في حلب، يعود تاريخها الى 1168، و أن المدرسة الظاهرية في حلب، يعود تاريخها الى 1217، و أن خان الفرافرة يعود تاريخه الى 1237، و أن مستشفى آرغون يعود تاريخها الى 1354، و أن جامع الأطروش يعود تاريخه الى 1403، و أن خان البرغل، يعود تاريخه الى 1472، و أن خان القاضي، يعود تاريخه الى 1490؟ و هذا كله، قبل احتلال العثمانيين لحلب، فكيف يتجاهل كل تلك المعالم التاريخية، التي تزيف أسس مزاعمه؟.ثم متى كان ضم بلد الى بلد بالاحتلال العسكري، يجعل للمحتل حقا أو ملكية للبلد الذي احتله، و يمنحه صك التبعية المؤبدة؟. بل إن تركيا، مطالبة بإعادة لواء الإسكندرونة الى سورية، فقد تنازلت عنه بدون حق، لتركيا فرنسا في عام 1939، مخالفة صك الانتداب الذي يوجب على فرنسا بحكم كونها السلطة المنتدبة على سورية آنذاك، الحفاظ على الأراضي التي انتدبت عليها، و هي بهذا التنازل اللا قانوني، حرمت حلب من إطلالتها على البحر الأبيض المتوسط.هل يتجرأ بهجلي أن ينبس ببنت كلمة فيها تلويح الى أن اليونان مثلا جزء من تركيا؟ أم أن جبنه عن هذا التصريح، عوّضه بالجرأة على حلب؟ كنت أتوقع، أن تثور ضجة سياسية و ثقافية سورية و عربية، على تصريح بهجلي، و ما ينم عنه من أطماع توسعية مرفوضة بتاتا، كما نرفض بتاتا و بشدة، الأطماع التوسعية الإيرانية. إننا نتطلع الى ما يتطلع اليه الشعب السوري العريق، في بلوغ هدفه السامي، بدولة مدنية حضارية تحفظ لسورية استقلالها و سيادتها و تتسق مع أمجادها التاريخية التليدة، منذ قدمت للإنسانية أول أبجدية في أوغاريت، و تحقق للشعب السوري العريق، الحرية و الكرامة و الرفاهية و الرقي، على أساس الهوية الوطنية و العدالة و المساواة و التفاعل الحضاري.
|