طه رشيد

تعدّ بداية انطلاقة المسرح العراقي صحيحة وصحية في أن واحد، اذ كان يجمع ومنذ نشأته الاولى بين الهموم السياسية والاجتماعية. وتعمق هذا الوعي لدى الفنانين الاوائل، والأجيال اللاحقة ،يوما بعد يوم، وقد نضجت تطلعاتهم الإبداعية بعد افتتاح قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة أواخر أربعينيات القرن الماضي وانتساب خيرة المثقفين له من كتاب وأدباء ومحامين واكمال دراساتهم الفنية فيه. ومن هنا تبلورت فكرة ظهور "المثقف العضوي " كما يصف گرامشي المثقف المؤثر في محيطه. وظهرت مسرحيات عديدة كتابة او عرضا،علانية ام سرية، تعالج بعمق مشهود قضايا مصيرية سياسية، وتطلعات اجتماعية بحياة امنة كريمة وعادلة. وكانت بعض الأعمال تقدم بغلاف كوميدي ساخر، وخير مثال على ذلك هو كتابات الفنان الراحل يوسف العاني المسرحية. والذي شكل لاحقا ظاهرة متميزة في هذا المجال وبالأخص بين منتصف الستينيات ونهاية السبعينيات من القرن الماضي! وقد ابدع العاني ليس في المجال الكوميدي الهادف فحسب بل وفي المسرح الطليعي والمتجدد فكانت له تجربتان متميزتان في هذا المضمار وهما "الخرابة" و" المفتاح". واستلهم العاني الحياة البغدادية في الأربعينيات بأعمال اخرى مثل " الشريعة"و" الجومة " التي منعت من العرض في منتصف سبعينيات القرن الماضي!وكان هناك كتاب تفرغوا لكتابة المسرح فرفعوا رايته عاليا ولم يقلوا شأنا عن العاني مثل عادل كاظم وجليل القيسي ونور الدين فارس ومحي الدين زنگنه..وجبار صبري العطية وبنيان صالح وسالم الزيدي، ثم ظهر جيل آخر مثل فلاح شاكر وعبد الأمير شمخي وعلي عبد النبي الزيدي ومثال غازي وعمار نعمة..وربما غيرهم من الأسماء التي لم تحضرني الان!ورغم ان المسرح العراقي قد واجه انتكاسة في فترات لاحقة حين حوله البعض إلى " سلعة" من خلال عروض هابطة شكلا ومضمونا، أطلق عليه " المسرح التجاري"! إلا انه سرعان ما استعاد انفاسه رافعا رايته الخفاقة في سماء الابداع بجهود جيل جديد من الفنانين وجدوا ضالتهم في المسرح.ولهذا فقد شكل المسرح العراقي مع هؤلاء المبدعين وغيرهم من الأجيال اللاحقة ممثلين وكتّاب ومخرجين مخضرمين او جدد علامة مميزة في الثقافة العراقية لا يمكن الحديث عنها دون الانحناء لراية المسرح العراقي الخفاقة!