النـص : “أزمة وطن” ليست مجرد كلمات تعكس واقعاً صعباً يمر به الشعب السوري؛ بل هي قصة معاناة مستمرة لشعب تواق للسلام والحياة الكريمة. سوريا، ذات التاريخ العريق والحضارة التي امتدت لآلاف السنين، تعيش اليوم واحدة من أحلك فصولها، حيث تحول الوطن من أرض للسلام والتنوع إلى ساحة للصراعات والانقسامات التي مزقت النسيج الوطني وأثقلت كاهل أبنائها.لطالما كانت سوريا قلب الحضارة في الشرق الأوسط، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وتنوعها الثقافي والديني. تعد دمشق، أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، رمزاً للإرث الحضاري والثقافي للبلاد. كما كانت سوريا مركزاً للتعايش بين مختلف المكونات والطوائف، مما جعلها نموذجاً فريداً للوحدة الوطنية.
تحولت من الحراك السلمي إلى المأساة
في 2011، خرج السوريون إلى الشوارع بمطالب بسيطة تتعلق بالإصلاحات السياسية، وحرية التعبير، ومحاربة الفساد. ولكن هذا الحراك لم يتماشى مع مصلحة الاسد الذي كان متمسكاً بكرسيه وسلطته فسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى صراع مسلح حيث تصاعدت وتيرة العنف، وانهار الحوار بين الأطراف المختلفة. وكانت التدخلات الخارجية وسوء الإدارة المحلية أدى إلى تعقيد الأزمة وتحويلها إلى حرب شاملة ادت أزمة إنسانية.لا تزال سوريا تشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. نزح أكثر من نصف السكان، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأصبح أكثر من 6 ملايين سوري لاجئين، يعيشون في ظروف صعبة بعيداً عن وطنهم.وما تبقى منهم داخل سوريا فقد منعهم الفقر والقمع من قبل نظام الأسد من الحياة وانطبق ذلك على كل فئات الشعب بكل طوائفه ماعدا فئة قليلة وهي المستفيدة من حكم الاسد الخائن.أدت سنوات الحرب إلى تدمير البنية التحتية للبلاد، مما جعل الاقتصاد السوري ينهار تماماً. الليرة السورية فقدت قيمتها، والأسعار ارتفعت بشكل هائل، تاركة الملايين يعيشون تحت خط الفقر.كما ادى الصراع الطائفي والعرقي الذي غذاه نظام الاسد و الأطراف المتنازعة إلى انقسامات عميقة داخل المجتمع السوري، ما هدد التعايش السلمي الذي كان السمة الأبرز لسوريا. وفي تطور دراماتيكي بتاريخ 8 ديسمبر 2024، أُعلن عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على العاصمة دمشق وعدد من المدن الرئيسية . هذه الأحداث جاءت بعد سلسلة من المعارك الحاسمة التي أدت إلى انهيار القوات الحكومية وانسحاب الحلفاء الرئيسيين وتخليهم عن الاسد . حيث دخلت الفصائل المسلحة العديد من المباني الحكومية وأطلقت سراح الأسرى من سجن صيدنايا. أعلنت المعارضة نهاية “حقبة الظلم”، وبدأت ترتيبات انتقالية تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة تمثل الشعب السوري بكافة أطيافه.اليوم أمام سوريا تحديات مصيرية تتطلب جهوداً جماعية لإعادة بناء الوطن بايدي ابنائه .1. المصالحة الوطنية: لا يمكن لسوريا أن تنهض مجدداً دون تحقيق مصالحة شاملة بين جميع أطياف الشعب السوري، بعيداً عن الانتقام والانقسامات.2. إعادة الإعمار:يحتاج الوطن إلى خطة شاملة لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، وخلق فرص عمل لإعادة عجلة الاقتصاد إلى مسارها الطبيعي.3. الدعم الدولي:على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً إيجابياً في دعم سوريا بعيداً عن المصالح السياسية الضيقة، والتركيز على إعادة الاستقرار للشعب السوري.رغم الظلام الذي يحيط بسوريا اليوم، يبقى الأمل قائماً بفضل إصرار الشعب السوري وصموده. “أزمة وطن” ليست نهاية القصة؛ بل دعوة لكل سوري ولكل محب للسلام للعمل من أجل مستقبل أفضل. سوريا تستحق أن تعود كما كانت، وطن الجميع، وموطناً للتعايش والسلام.
|