الأحد 2025/1/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 5.95 مئويـة
نيوز بار
تنميط السّرد برؤية الناقد الدكتور سمير الخليل
تنميط السّرد برؤية الناقد الدكتور سمير الخليل
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

                       أ.د إياد عبد الودود عثمان

         ارتبط مفهوم السّرد بالحكايات المكتوبة أو المنطوقة أو المنظورة ،  وقد تطورت تقاناتُهُ فتمظهرَتْ عناصرُهُ الثلاثة : (السّارد ، المادة السّردية ، المسرود له ) فظهر السّرد المتسلسل والمتقطّع و التناوبي وكذا اللولبي على حدّ تعبير أستاذنا الناقد الدكتور شجاع العاني ، وغير ذلك ؛ إذ بدا السّارد مشاركا وفاعلاً أو متخفّياً ، وظهر اتّساع في الرؤية وعمق في التّقانات أدّت إلى ترسيخ نظريّة السّرد ، وظلّ السّردُ قابلاً لاستقطابِ كثيرٍ من المفاهيم الجديدة المُستحدَثة بسببِ التّطور المَعرفي، والانفتاح الفلسفي الذي أدّى إلى ظهور ما يعرف بـ ( السّرديات الكبرى) انسجاماً مع ثورة المَذاهب ، وفاعليّة التّفكير ، وغيرها ممّا رافق العملية الإبداعية في السّرد أدّت إلى حضور أنماط وجدَ أستاذُنا الناقد الدكتور سمير الخليل أنّ هناك حاجةً إلى رصدها وتقعيدها متأثّراً بأعمال سرديّة متقدّمة صرّحَ بثلاثة منها في إهدائه عند عتبة كتابه ( السّرد الرّسائلي والسّرد العائلي ... ) ، وهي رواية موت الأب لأحمد خلف ، وروايتا موت الأم ، والمدوّنة الرّقمية لحنّون مجيد، وهي تحمل - ضمناً - واقعاً لأحداث سياسيّة وأوضاع اجتماعية خاصّة.

        وقبل هذا يجب القول إنّ تاريخ الرّواية العالميّة فيه ما يرتبط بأدب الوثيقة منذ القرن الثامن عشر، أمّا الأدب العربي ففيه بصمات واضحة في أدب المراسلات وما يرتبط بها ، ولاسيما على يد توفيق الحكيم، أمّا على صعيد المُنجز المحلّي فلفتَتْ انتباهي رواية (قوارير البحر) للكاتب الشّاب يونس الطيّب (من البصرة) الذي ينقل تجربتَه في البحر بتوظيف المَرايا، فهو يُبحر بعيدا هرباً من حبّه الضّائع ، فيقوم بالشّكوى بإرسال رسائل يضعُها في قوارير ويلقيها في البحر بانتظار قارئ مفتَرَض على طريقة (السّرد الرّسائلي) الذي يقصدُهُ الدكتور سمير. وتضمّنت هذه الرّواية توثيقاً مهمّاً عن المدنيّة في البصرة والرقيّ في حقبةٍ سَبَقَتْ وجودَ الكاتب حيّاً ، وتحديداً من سنة 1949 حتّى 1979 عندما كانت البصرة ملتقى لجميع الأمم،...  والحديث يطول.   

       انشغل الدكتور سمير في مسيرته النقديّة بالأنساق الثقافيّة والدّراسات المرتبطة بها، وتابع مظاهر كسر النّمط الكتابي ، وظهر ذلك جليّاً في كتابه ( الأنساق الثقافيّة في الخطاب الصّوفي) حين ربط بين الأداء اللغوي والطابع العرفاني ومتعلقاته، ويبدو أنّ تأمّل الأداء اللغوي الإبداعي ظلّ فاعلاً في التفكير النّقدي الفلسفي أدّى إلى قيام الدكتور سمير برصدِ النمطين السّرديَين في كتابه ( السّرد الرّسائلي والسّرد العائلي ) قد شكّل حضوراً في الأعمال السّردية العربيّة بوضوح بوصفه منطلقاً ثقافياً يتعالق مع ما هو اجتماعي، وإنساني، وتداعياته الأوسع ؛ فكان السّرد الرّسائلي ثم السّرد العائلي قد مثّلا عنواناً لكتابه المذيّل بـ ( ... نحو تأسيس لنمطَين سرديَّين جديدَين في الرّواية العربيّة)، وهذا الكتاب واحد من أهم الكتب التي ظهرَتْ على السّاحة النّقدية في العراق لهذا العام ٢٠٢٤م.

       لقد كان السّرد الرّسائلي في مرصد الناقد الدكتور سمير يعمل بطريقةٍ أكّدَتْ ظهورَ النّسق الميتا سردي ، فكانت (المدوَّنة الرّقمية ) لحنّون مجيد مولّداً لأفكار نقديّة فاعلة ترتبط بـ (المعادل الموضوعي ) ، واصطدم هذا التّفكير بإشكاليّة النّوع الأدبي ، ومحاولة إثبات هويّتها بوصفها ظاهرة سرديّة قبل أن تكون نمطاً .  لقد كانت الرّسائل موضوعة سرديّة في عدد كبير من الرّوايات لفتت الانتباه إلى فرضيّة النّمط السّردي بمفهومه البنائي والمضموني.

       إن السّرد غريزة إنسانيّة تتمثل بطرائق بها حاجة إلى مزيدٍ من الرّصد النّقدي المتقدّم ؛ إذ إنّ الرّسائل التي يذكرُها الناقد في إجراءاته التطبيقيّة تمثّل حاضنةً ذات وظيفة ، حين تُحقّقُ أداءً مغايراً هذا من جانب ما أسماه الناقد ( السّرد الرّسائلي) ، وهو لا يقصد الطابَع الفنّي في تلك الرّسائل كما أسلفتُ ضمناً؛ بل هو يبحث عن السّرد في الرسائل الموظّفة في بنية الروايات بوصفها العنصر المهيمن.

        أما النّمط الآخر المفتَرَض فهو (السّرد العائلي) الذي يَستندُ إلى صور ذهنيّة تَزيدُ من متعة القراءة انسجاماً مع الذّائقة الشّعرية Poetics العربية حين تثري المتن الحكائي وتُعنى بالتّقانة السّرديّة بعيداً عن ما يُعرف بـ (الميتاسرد) الذي قد يكون مفتَعلاً بعيداً من مدلول الرّواية، ويبدو أنّ من أنماط السّرد الرّسائلي التي اجتذبَتْ مرصدَ الناقد رواية ( أنا قبل كل شيء) للكاتبة السعودية الجوهرة الرّمال حين تعالق فيها هذا النّمط بنمط السّرد العائلي ، وكذا الكاتبة السعوديّة رجاء الصّائغ في روايتها (بنت الرّياض) بوصفها المرتبط بالأسرة، ويبدو واضحاً أنّه تأثّر بكتاب (المحكي العائلي) لحسن المودن الناقد المغربي الحائز على جائزة كتارا للرواية العربيّة في نسختها الثانية لعام 2016م عن كتاب : (الرواية العربيّة: من الرّواية العائليّة إلى محكي الانتساب العائلي ـ قراءة في منظور التّحليل النفسي).

          ولفت الناقد الدكتور سمير الانتباه إلى مظهر أسلوبي في السّرد الرّسائلي عند القاص هيثم بهنام بردى في رواية (الأجساد وظلالها) التي عبّرتْ عن قبح الاستبداد والقمع حين ظهر خطابٌ تراسليّ تخييليّ بين الرّاوي والقاصّ عبد الرحمن منيف ، وهذا التخاطب مثّل مدخلاً دلالياً وُظّفَتْ فيه الرّسالة داخل السّرد بطريقة استلهمَتْ شخصيّة (رجب) بطل (شرق المتوسط). لقد كانت رسالة هيثم بهنام بردى إلى عبد الرحمن منيف ذات طابع خاص مغاير حقّقَ تداخلاً أجناسيّاً بين السّرد وخطاب الرّسالة ؛ فالسّرد الرّسائلي موازٍ ومناظر لمفهوم السّرد بصيغته المعتادة ، وهو في الوقت نفسه قد يتمظهر بطرائق متعدّدة تتجاوز فيها الرّؤية التي يُنتجها المبنى السّردي على طريقة جيرار جينيت – الحدود الظاهرة من ثنائيّة (الصوت الذي يمثّله الرّاوي ، و الرّؤية التي تربط بالأفكار) . أما السّرد العائلي فعالمه خاصّ، ويجد الناقد سمير أنّ أدب الحرب والأدب النسوي مقدمتان أساسيتان لشيوعه ، ولاسيما عند تحوّل الشّخصيّات العائليّة إلى عناصر مكوّنه للسّرد ؛ ففي الإبداع العراقي نجد غائب طعمة فرمان في (النخلة والجيران) يعبّر عن الصّراع السايكولوجي بين شخصية الأم (سليمة الخبازة) وانها (حسين) ، والكيفية التي استثمر فيها المكان الشّعبي للكشف عن الحوار الطبقي، والحوار الجاد ولاسيما عند مشهد عتاب الأب لابنه، وكذا في رواية (المخاض) التي يظهر فيها البطل باحثاً عن أهله . وكذا في (خمسة أصوات ) للقاص نفسه التي تكشف بوضوح عن طبيعة العَلاقات الأسريّة . ويصدق ذلك على رواية (موت الأب) لأحمد خلف ؛  فقد بدتْ مشاهد الصّراع العائلي ، والأحداث الدّرامية المُرافقة لها ، وكذا الرّسم النّاطق لمَلامح الشّخصيات ، وقد كان مظهر تسلّط الأب بوصفه الشخصيّة المركزيّة للرّواية مولّداً دلاليّاً لنمط السّرد العائلي.

       إنّ تأمّل السّرد وأنماطُه الأدائيّة في جانبيه الشّكلي أو المضموني به حاجة إلى تفحّص يلائم المتغيّرات التي فرضتها تقانات السّرد من جهة، والظروف الثقافيّة التي تحاكي إرثاً فلسفيّاً ارتبط بالنسويّة و الحرب ومآلاتهماٍ من جهةٍ أخرى ، في منطقة الافتراضات النقديّة.

المشـاهدات 42   تاريخ الإضافـة 29/12/2024   رقم المحتوى 57576
أضف تقييـم