الخميس 2025/1/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 17.95 مئويـة
نيوز بار
نداء الحرية في منافي الروح: قراءة تكاملية في قصيدة " بيني وبينكم " للشاعرة وداد الواسطي
نداء الحرية في منافي الروح: قراءة تكاملية في قصيدة " بيني وبينكم " للشاعرة وداد الواسطي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الناقد : عبد الحسين الشيخ علي

النص "بيني وبينكم" للشاعرة وداد الواسطي هو عمل أدبي ينبض بالمشاعر الإنسانية العميقة، حيث تعبر الشاعرة عن صراع الذات مع الغربة، والخوف، والموت، وفي الوقت نفسه تُبرز قوة الحرية والشعر كأدوات للشفاء والمواجهة. ينتمي هذا التحليل إلى *المنهج التكاملي* الذي يجمع بين المنهج النفسي لاستكشاف المشاعر الداخلية التي تعبّر عنها الشاعرة، والمنهج الرمزي لتفسير الصور الشعرية المكثفة برمزيتها العميقة، والمنهج الاجتماعي الذي يربط النص بالسياق العام للإنسانية في نضالها ضد القهر، إضافة إلى المنهج البنيوي الذي يركز على البناء الفني والتكرار الإيقاعي للنص. النص يفيض بطاقة شعورية تتراوح بين الاغتراب والأمل، مما يجعله انعكاسًا لحالة إنسانية شاملة تتجاوز حدود الفرد لتصل إلى الجماعة.

النص "بيني وبينكم" للشاعرة وداد الواسطي هو رحلة شعورية متدفقة تنقل القارئ بين أبعاد متداخلة من الاغتراب والمقاومة والبحث عن الحرية والانتصار للحياة. النص يعبر عن تجربة إنسانية شاملة تنطلق من الذاتي لتصل إلى الجماعي، متوشحة بالرمزية والصور الشعرية القوية التي تضفي عليه عمقًا فلسفيًا وجمالًا فنيًا.

الشاعرة تبدأ بتكرار العبارة "بيني وبينكم"، وهي جملة تحمل دلالات المسافة، تلك المسافة التي قد تكون مكانية أو زمانية أو شعورية، وتوضح هذه المسافة من خلال "الخطوات التي تُهرول في منافي الروح". هنا صورة شعرية تنبض بالحياة، حيث تجسد الروح كمساحة واسعة تُهيم فيها الخطوات بحثًا عن معنى، والمنفى يعكس حالة الاغتراب التي تعانيها الذات، وكأن هذه الخطوات تسعى لتخيط "شوارع الغربة"، وهي صورة مبتكرة تربط بين المادي والمعنوي، بين الشوارع التي هي فضاء ملموس وبين الغربة التي تعكس شعورًا نفسيًا بالانفصال.

تنتقل الشاعرة لتصف "القصائد" كعناوين للرفض، وكأنها تصير وثائق ومظاهر للتمرد، وتجسد القصائد كـ "طبول تدق في كهوف الوحشة"، صورة سمعية وبصرية في آن واحد، فالطبول رمز للصوت العالي، للانتفاضة، للرفض الذي يتردد صداه حتى في أعمق أماكن الوحدة والخوف. وتُهدي القصائد نفسها كدليل وشاهد، هنا يظهر صوت المقاومة واضحًا، إذ تتحول القصائد إلى مرشدين معنويين يوجهون القلوب التي فرّت من أقفاصها، وهي صورة تعكس الكفاح من أجل التحرر، حيث الأقفاص تشير إلى القيود والقهر، والفرار منها هو بداية الطريق نحو الحرية.

القصائد في النص ليست مجرد كلمات، بل هي هدى للقلوب الضالة والأرواح المتعبة، وهنا توسع الشاعرة من رمزية القصائد لتصبح أداة شفاء ونور يهدي التائهين في ظلمة التواري إلى مواجهة النور. وتعود مرة أخرى لتجعل القصائد قمحًا للعصافير، وهي صورة مليئة بالحياة، فالعصافير رمز الحرية والانطلاق، والقصائد هنا غذاء لها، وكأنها تمنحها القدرة على التحليق بعيدًا عن شبح الموت.

الشاعرة تستمر في استخدام الصور المتنوعة حيث تجعل القصائد أرصفة للعبور ودلائل للنجاة من سفر الموت، وهذا يعزز فكرة القصائد كوسيلة للإنقاذ والخلاص، وكأنها تدعو الإنسان للاستناد إليها لعبور مخاطر الحياة. وتُجسد ذاتها في صورة قوية تقول "أنا القصيدة التي هدرت دم الكلمات قربانًا للحرية"، هنا يظهر تكامل الذات مع القصيدة، فهي ليست مجرد كاتبة بل هي القصيدة ذاتها، والدم المهدر هنا يصبح تضحية من أجل قيمة عليا هي الحرية.

في مشهد آخر تقف الشاعرة تحت نصب الحرية وتعلن أن قلبها مرايا للحياة، صورة تعكس الانتماء الكامل للحرية، فالنصب رمز للثبات والقيمة، والمرايا تعكس الحياة بكل تفاصيلها، والشعر يصبح "تعويذة أبدية"، وهو تعبير عن الإيمان العميق بقوة الكلمة وقدرتها على مواجهة الظلام والخوف.

الشاعرة تبرز توترها الإنساني أمام الموت، حيث تصفه بأنه جمرة تحاول الإمساك بها لتزيحها بعيدًا عن الشوارع، عن القلوب الحالمة، عن انتظار الأمهات. هذا المشهد يفيض إنسانية، حيث الموت يتحول إلى شيء ملموس يمكن إزاحته عن العالم، ليترك المجال للحياة والفرح.

النص في مجمله عبارة عن سيمفونية شعرية تعزف على أوتار الإنسانية بأصواتها المتعددة، من الاغتراب إلى المقاومة، من الخوف إلى الأمل، من التحدي إلى الاحتفاء بالحياة، من الألم إلى التمسك بالحرية كقيمة لا يمكن التنازل عنها. الصور الشعرية التي تتخلل النص تنقلنا إلى عوالم مدهشة يتداخل فيها المادي والمعنوي، الحسي والرمزي، لتُبرز صوتًا شعريًا حرًا يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين الذات والعالم.

النص مليء بالصور الشعرية التي تعكس معاني الغربة والمقاومة والحرية حيث تبدأ الشاعرة بصورة الخطوات التي تهرول في منافي الروح وتصفها بحالة الحركة القلقة داخل فضاء الغربة هذه الصورة تربط بين المادي والمعنوي وتعكس المعاناة النفسية كما تأتي صورة تخييط شوارع الغربة لتظهر محاولة سد الفجوات النفسية والمكانية التي يخلقها الشعور بالاغتراب وتصف الشاعرة القصائد بعناوين للرفض وطبول تدق في كهوف الوحشة لتبرز قوة الشعر كأداة للتعبير عن التحدي والرفض حيث تتردد أصداؤه حتى في أعمق زوايا الوحدة تأتي صورة الأيدي التي قطعت يد سجّانها لتعبر عن التحرر من القيد والانتصار على الظلم أما تصوير القصائد كقمح للعصافير فهو إشارة إلى كونها غذاء معنويًا يعزز الحرية والانطلاق صورة القصائد كأرصفة للعبور ودلائل للنجاة تضفي عليها دورًا محوريًا كوسيلة خلاص من الخوف والموت تعود الشاعرة لتصف نفسها بأنها القصيدة التي هدرت دم الكلمات قربانًا للحرية لتبرز التضحية الكاملة بالكلمة في سبيل التحرر وتقول إن قلبها مرايا للحياة لتجعل من ذاتها انعكاسًا لتجارب الحياة الشاملة كما تصور الموت كجمرة تحاول الإمساك بها لتزيحها عن الأمهات وعن انتظارهم الطويل مما يعكس رغبتها في حماية الأبرياء من الألم والخوف

خلاصة النص أن الشاعرة تقدم رحلة تأملية عميقة تنقل من خلالها معاناة الإنسان في مواجهة الغربة والقيد والخوف مع التمسك بالأمل والحرية حيث تتجسد القصائد كوسيلة للتعبير والتغيير والتحرر من قيود الواقع وتنطلق منها رسالة إنسانية تدعو إلى المواجهة والإصرار على الحياة .

خاتمة //

النص "بيني وبينكم" للشاعرة وداد الواسطي هو دعوة مفتوحة للبحث عن الحرية في مواجهة الظلم والخوف، واستنهاض الأمل وسط الاغتراب والمعاناة. القصائد في هذا النص ليست مجرد كلمات، بل هي كائنات حية تنبض بروح التحدي والتضحية، تُضيء دروب الضالين، وتغذي أرواح العصافير التوّاقة للتحليق. من خلال الصور الشعرية الغنية والمعاني العميقة، تؤكد الشاعرة أن الشعر ليس فقط تعبيرًا عن الذات، بل هو وسيلة خلاص ورسالة أبدية تدعو إلى الإيمان بالحياة والإنسانية رغم كل المآسي.

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 29/12/2024   رقم المحتوى 57577
أضف تقييـم