السبت 2025/1/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 5.95 مئويـة
نيوز بار
قيود الخوف بين إرث الماضي واستبداد الحاضر
قيود الخوف بين إرث الماضي واستبداد الحاضر
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

في المجتمعات التي تتداخل فيها السلطة مع تفاصيل الحياة اليومية، يتحول الإنسان من كائن حر إلى أسير قيود غير مرئية، تفرض عليه طريقة عيشه وفكره وحتى أحلامه. هذه القيود تأتي بأشكال مختلفة؛ سلطة القوي، سلطة المجتمع، سلطة القبيلة، وسلطة الأحزاب، وكلها تحاصر الإنسان من كل جانب. تبدو الحياة وكأنها مفروضة مسبقاً، والاختيار فيها مجرد وهم يتماهى مع الشعور الكاذب بالحرية. تظهر السلطة بأشكال متعددة: في المدرسة، في العمل، في النظام السياسي، وحتى في الأسواق والشوارع. إنها تتجلى في طريقة مشي المتغطرس، وفي تهميش الفقراء والمهمشين، وفي الولائم الفخمة لقادة الأحزاب. ، حيث يعيش المسؤولون في رفاهية وعزلة خلف الجدران، بينما يدفع الفقراء ثمن أخطاء الجميع . وكلما حاول الإنسان أن يعبر عن رأيه أو يطرح فكراً مخالفاً، وجد نفسه عرضة للتهميش أو حتى للشيطنة، في مجتمع يقدّس الخوف . قد يعتقد البعض أن الماضي قد ولّى، لكن الواقع يقول غير ذلك. الفرق بين زمن صدام حسين وما بعده ليس في زوال الخوف، بل في تعدده. إذا كنا نخاف في الماضي من سلطة واحدة، فنحن اليوم نخاف من ألف سلطة. التحكم لم يعد مركزياً فقط، بل أصبح متوزعاً بين قوى حزبية وسياسية واجتماعية. الإعلام، بدلاً من أن يكون أداة للتحرر، تحول إلى منصة لتكريس الهيمنة . في خضم هذه المعركة، يعيش المثقف حالة من القلق الدائم. كيف يمكنه أن يقدم رؤية واعية في ظل قوى تحاول تسطيح الفكر وتزييف الوعي؟ الثقافة أصبحت صناعة موجهة بيد أشخاص لا يقلون عنفاً وسذاجة عن طغاة الماضي. والنتيجة هي تحويل المثقف إلى شاهد صامت أو صوت يصرخ في فراغ، حيث لا أحد ينصت ولا أحد يهتم . الخوف من التعبير، من الاختلاف، ومن قول الحقيقة أصبح النمط السائد. إننا نعيش في مجتمعات تتوارث العبودية عبر أجيال، فتتحول إلى طبيعة مستساغة ومبادئ طوعية. هذه العبودية لم تنتهِ بتغير الأنظمة أو تبدل الأسماء، بل بقيت لأن العقل الذي أنتجها ما زال كما هو، لم يمر بقطيعة معرفية حقيقية، ولم يتعلم دروس التاريخ . إن التغيير الحقيقي لا يأتي فقط بإزالة الطغاة، بل بتحرير العقول. وإلا، فإن نفس الأتباع الذين ساندوا صدام، ثم لعنوه، سيظلون يدورون في نفس الحلقة المفرغة. إنها حلقة تستمر لأننا لم نزرع قطيعة معرفية مع ثقافة الخضوع والتبعية، ولم نواجه أنفسنا بشجاعة لنفهم جذور الخوف . إن معركتنا الكبرى ليست فقط ضد الفساد أو الاستبداد، بل ضد ثقافة الخوف التي تحاصر كل من يحاول أن يكون حراً. الحرية تبدأ من العقل، ومن قدرتنا على كسر القيود التي ورثناها جيلًا بعد جيل. وبدون ذلك، سنبقى أسرى نفس المآسي، حتى وإن تغيرت الوجوه والمسميات .

المشـاهدات 46   تاريخ الإضافـة 01/01/2025   رقم المحتوى 57648
أضف تقييـم