الإثنين 2025/1/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 13.95 مئويـة
نيوز بار
زكية المرموق فسيفساء قصيدة
زكية المرموق فسيفساء قصيدة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناصر أبو عون
النـص :

 

 

الصورة تقف في واجهة النصّ الشعريّ، وسائر المنمنمات التي تشكّل فسيفساء القصيدة تصطف وراءها؛ والصورة فقط ولا شيء سواها – هكذا أرى - في نصوص الشاعرة المغربيّة زكية المرموق، الشمس تحجب خلفها سائر الأقمار المشعشة في فلك القصيدة، وهي مقياس الإبداع ، وبيان العبقرية في الصياغة والأسلوب، وفساتين متلألة بالفرح ترتديها أجساد اللفظ العارية، وأرواح فيّاضة بالشعور تنشرها الشاعرة على وجه القصيدة ، وسماء خيال خصب ترفعها فوق رؤوسنا، وبراق محبة تأخذنا على ظهرها، وتعرج بنا إلى قدس الأفكار العلوية، وتسمو بملكاتنا إلى سدرة رؤيتها المتعالية، فنرى ما لايراه الغافلون عن جنان المعنى، ونسرح بصحبتها في حدائق من لذة بلا خطيئة، ونتوضأ في بهائها العذريّ المُتبتل، فنصير كائنات شعرية تُسبِّحُ بحمد ربها في ملكوت الله؛ لأنها - أي الصورة – في نصوص زكية المرموق ذات معان قدسية مشتقة من ألفاظ طاهرة، لم يدنس مقامها تهتك، ولم يخدش حياءها عُري أو عُهر بحجّة الحداثة، ولم تفضّ بكارة عذريتها زندقة بلهاء، إنها صورة صافية تنبع أنوارها من (حامة مولاي يعقوب)، وتتدفق محبتها من (عين الله بسهل سايس)، وتتراقص أشجارها فرحًا بأمواه (عين سيدي حرازم)، وكلماتها بلسمٌ شافٍ ومغتسل بارد وشراب يترقرق من (عين ربيعة) المتدفقة من أعالي الكبرياء المغربيّ. وأخيرا أقول: إن الصورة في شعر زكية المرموق عروة وثقى وجماع اللفظ والمعنى.[بدايتك نهايتك/ تقول العرافة/ فلاتفتح دكان الاستعارة/ قبل أن يتضح الكلام الأبيض من الأسود/ وتخلص من الوقت بإهداره/ ثم ارم ما تبقى منه في القمامة/ كل مافاض منتوج عن الحاجة/ أخل بموازين السوق/ الروح أختي في الرضاعة/ تقول الميتافزيقا/ وتقول الفيزياء/أنا كل ما أرى/والغموض حصة المهزومين/من العدم].

وفي نصوص زكية المرموق حالة استثنائية من التصوير الشعريّ تنثر علينا رماد الأسئلة، ويتردّد في صداها سؤالٌ جُوانيّ لحوحٌ يدق أدمغة الأفكار؛ سؤال يضعنا في (ورطة معرفية):"هل ما زلنا نعيش في زمن الصورة؟ أم غادرنا زمن الصورة ودخلنا إلى زمن المرئي؟ وهل يعني هذا أننا بالمعنى الجمالي خارج هذا الزمن تماما؟ والإجابة بالطبع: لا!![دليلك اسمك/تقول البوصلة/ويسأل المسافر/وما العمر؟غصن مقطوع من شجرة/وما الذكريات؟مسمار على جدار/وما الشكل؟تسأل الملامح/ضباب في المرآة/وما الكومبارس؟ يتساءل المونولوجست/على الخشبة/ خدش في المشهد/ وما الجمهور؟حطب في التنور/ وما الصمت؟وضوح غير محتمل/ومرات عود ثقاب].

إنّ المشاهد في نصوص زكية المرموق تصوير ميكرسكوبي لحالة إنسانية نمر بها جميعًا يوميا، ولكنها لاتخترقنا، ولسنا معنيين باختراقها؛ لأننا نسير نيامًا إلى حتفنا في مستنقع الاستهلاك الغرائزي الذي استوطن حواسنا، ولوثّ أفكارنا باسم الحداثة وما وراءها من فخاخ منصوبة لاصطيادنا، وإيقاعنا في سراب بقيعة المشعشع وهما في صحراء الإبداع العربيّة. لكن زكية المرموقة تصنع من ذاتها رمُحًا وتخترق الصور الشعرية من الداخل وتجول في جوانبها وتستبطن ذواتها، ثم تنتقل بالقاريء إلى مشهد خارجي مقابل، حيث تمارس بكل جرأة تعرية ذات الآخر وصولا إلى غاية إنسانية كبرى.[..حينما خرجت من البئر/مزقت اسمي/منحت الظل تابوتا/ ومشيت لا أتلّفت/ لضفادع الطريق/ وحينما تعكزت على الشعر/ وجدت النهر/ لكني لم أعلم يا أمي/أن الغد ترك أطفاله/ في حجر الضباب/وأن من يتخلص من الشوك/بالحب/تقتله وردة].

المشـاهدات 191   تاريخ الإضافـة 04/01/2025   رقم المحتوى 57759
أضف تقييـم