النـص : هل تذكر منذ سنوات كيف كنا نحمل أصواتنا وندور بها في الطرقات ونزرعها في الزوايا والساحات ونسهر معها احيانا" حتى طلوع الفجر.. لم نكن نحلم يخطىء من يظن ذلك،، كنا ندرك ان أصواتنا تشكيلة رائعة من الطموحات والتطلعات لجيل محكوم بحواسه..وما أصعب أن يحكم على الأنسان بخصائصه.. وكنا نعرف ان ثمة تورطا" لايمكن الخلاص منه الا بالتعامل َمعه كواقع يملك كل العناصر لوجوده.. وكنا فوق هذا كله نعي أهمية الادوار في التركيبة الإنسانية الكبيرة التي نخوض تجربتها كل يوم خارج كل الطقوس وبعيدا" عن القواعد والشروط كنا نفتشت عن ادوارنا بأسلوب حماسي ولكنه يحمل كل الصدق وكل الإخلاص وكل المعاناة الهموم التي كنا نمددها كل ليلة على ضوء القمر ونسهر حولها ، كانت هموما" عامة ومخزونا اصيلا لجيل يفتش فيه كل فرد عن دوره .. والمعاناة التي كنا نلبسها تحت ثيابنا كانت معاناة شاملة ورصيدا" هائلا"من الاحاسيس لجيل يعيش يقظته ويؤمن بأنها الدرب إلى الوصول...اظنك تذكر كيف كانت توقعاتنا الصغيرة مجموعة من المواقف الصلبة لكل منا وكيف كانت هذه المواقف وتحت تأثير كل المناخات تصب عند نقطة واحدة.. الان فقط عرفت ان الجرح وحده يدرك عمقه.. وان النزيف وحده يفهم خطورته.. وان العين التي تراقب هي وحدها تستطيع أن تحدد المسافة بين البداية والنهاية وتسجل حضورها الوهمي عبر كل المشاعر والأحاسيس المتداولة والمنسوخة ان صوتك القادم من خلف السنوات العشر التي كدست فوق ملامحنا كل تفاصيل الرعب الذي حمتله صوتك هذا يتسرب في مساماتي ويدخل إلى أعماقي ويسكنني كهم قديم.. ياصديقي لقد كبرنا معا ولانزال نصر على ممارسة الانتظار.. كبرنا معا" ولانزال نتمسك بكل الاعتبارات التي بقيت وحيدة ونحن نرتكب فعل التجاوز.. ولكم أجد نفسي مذهولا " وانا أستحضر كل اللحظات التي كانت شاهدة على انفعالاتنا وتوقنا للأنتصار.. لست نادما" ياصديقي على شيء فنحن رغم كل التشرد والتكسر الذي أصابنا ونحن رغم كل المواعيد الفاشلة الخيبات والصدمات التي واجهتنا لانزال ندرك المساحة المشتعلة التي انطلقنا منها ولأننا نعرف ان الحريق مهما امتد وأتسع فأنه لن يصل إلى حدودنا.. هل نحن خراف العصر لنكن أكثر تفاؤلا" وأمضى عزيمة ولنذكر ماكنا نقف عنده ونرفضى ان نحيد عنه... لم نكن صغارا" يوما ولاتدع هذه الفكرة تسيطر عليك فالصوت الذي يتعدى مساحة الفم والجرح الذي ينفلش خارج مساحة الجسد والطعنة التي تتحول إلى شرخ في دماخ الأشياء لايمكن أن تكون مجرد ظواهر.. ياصديقي.. لاتظن المسألة بهذه الصعوبة لانه فيك وحدك تكمن كل الحلول وان النسخ المتكررة التي تحاول أن تستوعب تحولاتها ليست بعيدة عن بدايتك ولاهي خاتمة.. فلنحاول ان نستفيد من كل التجارب التي نخوضها بلا ملل لأنها وحدها قادرة على الضمان تماسكنا ووحدما قادرة على استرداد أصواتنا قبل أن تصير صدى.. واستطيع ان اؤكد لك بعد عشر سنوات من الغربة والنفي والنزيف اننا كجيل لسنا سوى صداع بسيط في جمجمة هذا العالم الكبير.
|