مكونات السرد الفاعل في رواية (شريط ورقي أصفر) للسارد امير ناصر |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص :
اشارة نقدية/ شوقي كريم حسن “شريط ورقي أصفر” رواية تستحق التأمل والدراسة، كونها تفتح أمام المتلقي نافذة إلى عالم الشاعر أمير ناصر الشخصي والعاطفي. في الرواية، يبدو أن ناصر استطاع أن يلتقط جزءاً من تفاصيل حياته بشكل فني، حيث يجسد السيرة الذاتية من خلال عيون شخصية الأم والحبيبة. ورغم أن الرواية تتناول معالم حياته الشخصية، إلا أنها تتجاوز ذلك لتغوص في عمق العلاقات الإنسانية والتاريخية مع الأم، التي تمثل أكثر من مجرد شخصية في الرواية؛ إنها رمز للعلاقة الأسمى، علاقة تجمع بين الحب، التأثر، والحاجة المستمرة إلى الإحساس بالأمان في ظل عالم من الاضطراب والتغير. من خلال الطائرة الورقية التي تمثل العنوان، نجد أن أمير ناصر يتنقل بين اللحظات الطفولية والسيرة الذاتية الخاصة به. الطائرة الورقية، التي تتسم بالهشاشة والقدرة على التحليق بعيداً في السماء، تشبه إلى حد كبير الذاكرة الإنسانية، التي يمكن أن تنفلت عن المتناول ولكن تبقى أصداؤها في الأفق. الطائرة الورقية تشبه الأمل في تحقيق طموحات كبيرة، وفي ذات الوقت تمثل التعلق بذكريات الماضي، التي تحمل في طياتها معاناة الفقد، وهشاشة الحياة البشرية.علاقة أمير ناصر بأمه هي نواة الرواية، حيث يستعرض تفاصيل تلك العلاقة بكثير من الحب والاحترام، وهو ما يظهر في الصور العاطفية التي يحكي عنها في سرده لحياة الحبيبة الأم،مصدر العطف والحنان، بل رمز للثبات في وجه التغيرات التي مرت بها الحياة، خصوصاً في الحيز المادي والمعنوي الذي تمثل فيه بغداد، ساحة التفاعل بين هذه الشخصيات. لا تقتصر الرواية على مجرد تقديم التفاصيل الشخصية للأم، بل تكشف عن تصورات الشاعر الشخصية للحياة والموت، وكيف أنهما يشتركان في تجربة إنسانية واحدة لا يمكن أن تكتمل دون الآخر. علاوة على ذلك، يتم توجيه الضوء على تحول أمير ناصر بين مرحلة الطفولة والكبر، مستعرضاً رحلة التأمل في الحياة الجامعية ثم التحولات النفسية التي يعايشها عند التعامل مع الفقد والموت. هذه التحولات تصبح أكثر وضوحاً حينما يبدأ في وصف قبر أمه والتفكير في حياة الموتى. يصور الشاعر عالم الموتى كعالم منفصل عن عالم الأحياء ولكنه أيضاً مرتبط به، وفي هذه النقطة يمكن للقارئ أن يتأمل كيف يجمع ناصر بين الحياة والموت في أفق واحد من خلال قصته. “شريط ورقي أصفر” هي أكثر من مجرد سرد لحياة شخصية، بل هي محاولة لتوصيل الأفكار الإنسانية الكبرى حول الحب، الفقد، والذاكرة. تأخذنا الرواية إلى أبعاد غير مألوفة حول الفقد الأبدي، وتجعلك تتأمل في كيفية تأثير العلاقة التي كانت بين الأم وابنها على بناء شخصيته وعلاقاته مع العالم من حوله. على الرغم من أن النص يتخذ طابع السيرة الذاتية، إلا أنه يظل في نهاية المطاف عملاً إبداعياً يفتح أمام القارئ أفقاً واسعاً من التأملات الشخصية والفلسفية.من خلال هذا السرد الذي يسير بين التذكر والنسيان، يصبح النص ملاذاً للقراءة الحميمية التي تجعل من كل كلمة تنبض بالحياة والذكريات. الرواية هي بمثابة تذكير بأن كل شخصية في حياتنا، مهما كانت صغيرة، قد تترك أثراً عميقاً لا يزول، بل يبقى يرافقنا طوال رحلتنا في الحياة والموت. أمير ناصر في لا يكتفي بتسليط الضوء على العالم الحسي والمرئي، بل ينقلنا إلى عالم غير مرئي، عالم الذكريات والشعور العميق بالوجود، الذي يتجاوز الجسد ليغني الروح الرواية، في تكوينها، تبدو كأشبه بمسار روحي، حيث يتنقل الشاعر بين الأبعاد الزمنية والمكانية بنعومة، فيجد نفسه في حضرة الذكريات التي تختلط فيها مشاعر الحزن والحب والحنين. وكل مرحلة من حياته تبدو وكأنها تستمر في التأثير على الحاضر، حتى في غياب الأشخاص الذين كانوا يشكلون جزءاً من هذه اللحظات المميزة. هذا الغياب يتخذ في الرواية شكلاً معقداً، ليس فقط من خلال موت الأم، بل أيضاً من خلال الفقد المتكرر الذي يعيد صياغة الشخصية ويعمق التجربة الإنسانية.من خلال سرده المتواصل لعلاقة الشاعر بأمه، والتي تظهر كثقل وميراث دائم، يظهر أمير ناصر كمن يصر على الحفاظ على الروابط التي تجمعه بها رغم الزمن والموت.العلاقة التي كانت بينه وبين أمه تفتح أمامه آفاقًا للتأمل في معاني الحياة والموت بشكل غير تقليدي، حيث أن الموت في الرواية ليس نهاية بل بداية لفهم أعمق للحياة. قد يبدو أن الرواية تغلب عليها الحزن، لكن الحزن هنا ليس شعورًا سلبياً بقدر ما هو مدخل إلى معرفة أوسع بالنفس الإنسانية، إلى حافة الضوء التي تأتي بعد الظلام. الرواية تحمل بعدًا فلسفيًا في فهمها للوجود والعدم. هناك إشارة متكررة إلى العلاقة التي تربط الأحياء بالموتى، وتحديداً عبر التأمل في قبر الأم الذي يتحول إلى مكان تواصل بين العوالم، يعكس أيضًا انعدام الحدود بين الماضي والحاضر. في هذا الفضاء الرمزي، تبرز الذات الشاعرة أمام القارئ كمن يبحث عن معنى بين الأحياء والموتى، يلتقي مع نفسه وذكرياته عبر فضاء هذه الرواية، كما لو أنه يحاول أن يطير على جناحي الطائرة الورقية ليصل إلى لحظة أو مكان لا يمكن الوصول إليه إلا عبر الذكريات والموت.وفي محاولة نادرة لتصور الموت، لا يُنظر إليه في “شريط ورقي أصفر” على أنه حدث نهائي، بل هو عملية تحول، انتقال من مرحلة إلى أخرى، قد تكون غامضة وصعبة، لكنها في ذات الوقت تمنح الأمل وتفتح أبواباً جديدة للفهم والتقبل. الحزن الناتج عن هذا الفقد لا يقتصر على الشخصيات المتبقية في الرواية، بل يمتد ليشمل القارئ، الذي يجد نفسه يسائل عن معنى الوجود والعلاقات التي تربطنا بمن نحب، وحتى بمن فقدناهم. هذه الأسئلة الفلسفية التي تطرحها الرواية تبقى مفتوحة في أفق النص، دون أن تنتهي بإجابة واضحة، بل تترك كل قارئ يغرق في تأملاته الخاصة.علاقة الشاعر بالمدينة، بغداد، تبدو محورية في الرواية أيضاً. المدينة ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي إطار مليء بالذكريات والحكايات التي تكشف عن تناقضاتها بين الأمل واليأس، وبين المضي قدماً والرجوع إلى الماضي. بغداد، كما يصفها أمير ناصر، هي مدينة تفيض بالحياة والدموع على حد سواء. هي مدينة يركب فيها الشاعر سيارته برفقة أمه، ليذهب إلى قبرها، ويستعرض فيها لحظات سابقة كانت حافلة بالأحداث والمشاعر. هذه العلاقة المركبة مع المدينة تثير تساؤلات حول كيف يمكن للذكريات أن تصبح جزءاً من المكان ذاته، وكيف أن الذكريات لا تنفصل عن الأمكنة التي عاش فيها الإنسان.من خلال “شريط ورقي أصفر”، يحاول أمير ناصر أن ينقش في ذاكرة القارئ صورًا شعرية تكشف عن العلاقة بين الحياة والموت، بين الماضي والحاضر. في هذا الإطار، يصبح الزمن نفسه جزءًا من عملية الانتقال بين هذين العالمين. الكاتب يطرح في روايته تفاعلًا فنيًا مع الزمان والمكان، ويمنح نفسه وللقارئ الفرصة لاكتشاف مرونة الحياة التي لا تفقد قوتها، حتى مع غياب الأجساد. هذه المرونة تتجسد في الطائرة الورقية التي تُسحب إلى السماء، لتُحلّق بعيدًا عن الأرض، في رمز مستمر للتحليق بين العوالم المختلفة.من هنا، يمكن القول إن “شريط ورقي أصفر” لا يقتصر على كونه سردًا عاطفيًا عن الفقد وحب الأم، بل هو أيضًا دعوة للتأمل في الروابط العميقة بين الذات والمكان، بين الأحياء والموتى. إنها رواية تبحث في جوهر العلاقات الإنسانية التي تمزج بين الحزن والأمل، بين الحياة والموت، في سياق فلسفي عميق يناقش موضوعات وجودية يتعذر الوصول إليها بسهولة.
|
المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 11/01/2025 رقم المحتوى 57961 |
افتتاح مركز الأمن السيبراني لوزارة الداخلية لأول مرة في العراق.. افتتاح مشروع رقم الطوارئ الموحد 911 |
العراق يستهلك أكثر من 11 مليار لتر من مادة البنزين في 2024 |
وزير الداخلية: حدودنا مؤمنة بالكامل وسنتسلم أمن 7 محافظات متبقية السوداني يرعى احتفالية الذكرى 103 لتأسيس الشرطة العراقية في بغداد ويشيد بدور الشرطة |
فيلم ((لأول مرة)) لتارا عماد وعمر الشناوي بالسينما 29 يناير |
في الصميم التعليم الاهلي الى أين؟؟ |