الإثنين 2025/1/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
عملية التجريب والتحديث في ... الفتاة التي أكلت الوردة البيضاء دراسة نقدية
عملية التجريب والتحديث في ... الفتاة التي أكلت الوردة البيضاء دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

   

 

 

                                يوسف عبود جويعد

المجموعة القصصية "الفتاة التي أكلت الوردة البيضاء" للقاص وارد بدر السالم، رحلة موفقة في فن صناعة القصة القصيرة وما طرأ عليها من متغيرات حداثوية، ويمكن أن نقف من خلالها على الفارق الكبير، بين عملية التجريب والتجديد الذي يهدم عملية البناء الصحيح والنسق المطلوب لهذا الجنس، والتجريب والتجديد ضمن النسق الفني لصناعة القصة القصيرة التي تتطلب استحضاراً تاماً لكامل أدواتها ومرتكزاتها وعناصر التي تمنحها هويتها وجنسها، حيث إن المؤلف هنا ظل محافظاً على تلك العناصر دون المساس بها أو تغيير ملامحها، وأحدث التجريب والتحديث في متن النص الذي يحتوي العملية السردية المطلوبة للقصة، حيث اعتمد المؤلف على المشاهد الحوارية وأولاها أهمية وجعلها جزءاً مهماً من متن النص، ومنح هذه المشاهد الحوارية الخط العريض لإعطائها أهمية، وتلك المشاهد أسهمت في تحريك الاحداث وفق اسلوبها الصحيح وهي مكملة لحركة السرد وساندة لها، كما ان المؤلف في هذه المجموعة عمد الى تقطيع النص القصصي وترقيمه كنوع من التغيير وكسر النمطية في هذا الفن، الا أن التقطيع يخص القصة القصيرة وينتمي إليها دون حدوث أي خلل في عملية السرد، وما تحتاجه القصة من اختزال وتكثيف وضغط للأحداث، وبدت لنا هذه المجموعة مفتوحة على جوانب متعددة من حياتنا، وبكل مجرياتها، وتنوعت بأنماطها الكتابية بين الواقعية الغرائبية، والسحرية، والعجائبية، وحتى الموروث الحكائي، وتنتقل بنا هذه النصوص الى فضاءات مختلفة من العملية السردية، كما انعكست تجربة القاص وارد بدر السالم الطويلة في مجال الكتابة السردية على محتوى هذه النصوص القصصية، وجاءت وكأنها نتاج لهذه التجربة الثرية،

في القصة القصيرة "الفتاة التي أكلت الوردة البيضاء" ينقلنا المؤلف بشكل مقتن الى مرحلة عمرية مهمة، ألا وهي مرحلة المراهقة، الذي يشبه فيه الشاب أو الفتاة الوردة في نضارتها وشفافيتها وعطرها، فيختار المؤلف بستاناً من الزهور الملونة ليلتقي شاب بفتاة خجولة تحمل وردة بيضاء، فيبدو لنا هذا اللقاء وكأنه تجربتهما الاولى، إذ إن الفتاة تعمد الى مداعبة الوردة وقطع ورقة منها والتهامها، الامر الذي حدا بالشاب أن يجد ذلك مدخلاً للحديث معها، فيطلب منها، أن تأكل الوردة وهو يصورها، الا أنها ترفض ذلك مع تناغم واستمرار هذا اللقاء تجد الفتاة انها مضطرة الى التهام الوردة كتعبير عن لقائها الاول والحرج اجتاح كيانها، عملية بناء هذه النص القصصي، بمنزلة انعكاس لحياة المرء في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

أما القصة القصيرة "بولونيز" فنتابع معها شراء كلب من كلاب الزينة، خاضعاً لرغبة أبنه لشراء هذا النوع من الكلاب الذي يشبه قطنة بيضاء ناصعة، ونتلمس من خلالها كيف يدير القاص دفة الاحداث، حتى أن الأمر لم يعد يقتصر على شراء هذا الكلب، بل نسبر أغوار تفاصيل ممتعة وشيقة من السرد، منها الوصف لسوق الغزل وهو السوق الذي تباع فيه الحيوانات والطيور بمختلف اشكالها، وكذلك ننتقل الى اعتراض الام لوجود كلب في البيت، بينما تكون البؤرة الرئيسة هي تعلق الابن بالكلب، ويحدث أن يُسرق الكلب من كوخه، فينعزل الابن عن أهله ويظل رابضاً قرب كوخ الكلب ولا يبرحه.

وفي القصة القصيرة "هوية طالب في قسم الإعدام" وكما هو الحال في الرؤية الفنية التي اتخذها القاص في صناعة قصته، بأن تكون الفكرة صغيرة في بادئ الامر ثم تتسع وتكبر فنغرق في تفاصيل غاية في الاهمية لخدمة المبنى السردي، ففي هذه القصة نكون في أحد السجون الكبيرة التي تضم سجناء في احكام خفيفة وثقيلة واعدام، ثم نتابع أحد الصبية الذي كان مختبئاً تحت عباءة أمه من أجل رؤية والده المحكوم بالإعدام، حيث يكتشف أمره، وأن الزيارة في قسم الاعدام تمنع الصبية، إلا أنه يطلب منهم رؤيته لأنه منذ ستة أشهر لم يره، إلا ان حدثاً غريباً حدث عند زيارة الصبي، صعب على آمر السجن نقله للصبي.

وفي القصة القصيرة "زينب الثانية" نتابع سراً غريباً يحدث في أحد المدارس، حيث إن زينب الثانية تدخل المرافق الصحية وتختفي، ويطلق عليها زينب الثانية لأن هناك زينب اخرى هي الاولى، ونشهد تفاصيل عن البحث عن زينب الذي حدا بالمجلس البلدي التدخل وحفر المجاري، وكذلك المحافظ وقوى الامن وأهالي الطالبات الى غير ذلك من التفاصيل ليظل حادث اختفاء زينب الثانية سراً مخيفاً.

أما القصة القصيرة "البحث عن جندي قديم" فنتابع فيها امرأة خمسينية تدخل السوبر ماركت وبشكل فيه رهبة وخجل وغموض، تسأل عن احد سكان هذه المنطقة منذ زمن بعيد، وقد شاهدت بأم عينيها ما طرأ من تغيير في هذه المنطقة الامر الذي يجعل البحث عنه مستحيلاً، لكن المفاجأة أن صاحب السوبر ماركت الذي تسأله هو من تبحث عنه، الا أنه اخفى هذه الحقيقة لعدم جدواها.

وفي القصة القصيرة "أرامل الفيسبوك" نتابع فيها ما يحدث في هذا العالم الازرق من غرائب وعجائب، إذ سيدة توطدت علاقتها العاطفية مع احد الرجال وتنتظره لرؤيته على العالم الواقعي، الا أن المفاجأة تحدث عندما تحضر سيدة موشحة بالسواد، لتخبرها بأنها زوجة من تحب، وأنه قد فارق الحياة منذ ثلاثة اشهر، وبقيت تلك المرأة تتواصل معها على انها زوجها، واليوم جاءت لها اكراماً لذكراه.

المجموعة القصصية "الفتاة التي أكلت الوردة البيضاء" للقاص وارد بدر السالم، واحدة من النصوص التي نحت منحىً حداثوياً وتجريبياً، نابعاً من خبرة القاص بمعالم بناء الفن القصصي.

من اصدارات مؤسسة العصامي للنشر والتوزيع – بغداد – شارع المتنبي لعام 2024

المشـاهدات 29   تاريخ الإضافـة 20/01/2025   رقم المحتوى 58247
أضف تقييـم