ما بين كتاب بول كندي عن الاستعداد الأمريكي للقرن الحادي والعشرين وبين رئاسة دونالد ترامب الثانية اكثر من ثلاثة عقود.. الأول انتهى إلى أن كعب اخيل المستقبل السياسي لبلاده في إعادة صياغة صلاحيات البيت الأبيض والرئاسة الأمريكية بما يزيد من ضبط صلاحيات الرئيس وفق معايير تمثيل سلطة الناخبين في الكونغرس. هذه الجدلية في اطروحة الإصلاح عند البروفيسور كندي.. واضحة جلية اليوم في رئاسة ترامب.. ودائما الأخطاء الدستورية في الأنظمة الرأسمالية تخضع لمراجعة وحسابات أصحاب المصالح.. هكذا جاءت الإدارة الجديدة تمثل رؤوس الأموال حتى ان وزير الخزانة ملياردير!!

 السؤال الكبير.. كيف ينعكس الإصلاح داخل البيت الليبرالي الأمريكي على عالم اليوم؟؟

اولا : سيكون منهج أمريكا اولا. السائد في تطويع التحديات لاسيما في عصر الذكاء الاصطناعي.. وكانت البداية ضخ ٥٠٠ مليار دولار في برامج البحث والتطوير لهذا القطاع.. وسبفتح هذا المنهج الاستثمار الأمثل داخل الولايات المتحدة الأمريكية بأسعار تنافسية مع الصين ذات الصناعة والتجارة الارخص.. وذلك يتطلب رفع قيمة معايير التجارة الدولية في جودة المنتج والخدمات.. وفرض غرامات مالية كبيرة على (التجسس الصامت) علميا وصناعيا.. وتوفير ضمانات واضحة للمستثمرين ابرزهم الشركات متعددة الجنسيات واعادة تدوير أرباح البترودلار بطرق جديدة عبر بيوت الاستثمار الخليجية.. مما يعزز الشراكات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصادر الأموال.. والشركات الصناعية.

ثانيا : الانعكاس الاول سيكون داخل الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة تعريف منح الجنسية الأمريكية للمهاجرين من شتى مناطق الحروب التي دخلها الجيش الأمريكي.. مقابل التركيز على نموذج تصدير الليبرالية الأمريكية وحقوق الإنسان.. سيكون اكثر ضرواة واشد إعلاميا في إنتاج المعرفة وجذب الخبرات العلمية والعملية للهجرة بدلا من قبول اللاجئين من مناطق الحروب.. بما يمثل انتقالة كبيرة في معايير منح الجنسية الأمريكية مقابل جذب قدرات الشباب القادر على دخول سوق المنافسة في عالم الذكاء الاصطناعي. ثالثا : الانعكاس الاخر على مضمون وظائف إدارة السياسات الدولية لقيادة مصالح الشركات متعددة الجنسيات.. في تسكين الحروب المباشرة وترك الشركاء يتحملون كلفة اي صراع محلي بإشراف أمريكي.. ممكن تعريفه بنموذج (نفوذ الاساطيل والقواعد العسكرية) بدلا من اشتراك الجيش الأمريكي المباشر بهذه الصراعات.. لعل أوضح نموذج له العمل على تكوين تحالف (الناتو العربي) واعادة تنظيم التعامل مع حلف الناتو الأوروبي. . بل ان ترامب صريح بمطالبة الآخرين اثمان الحماية الأمريكية بوجود قواعد جيش بلاده على اراضي تلك الدول!!

رابعا : تمحور ردود الأفعال عند أبعاد براميل البارود عن فتيل إدارة ترامب. اول من فهم ذلك إيران وملفها النووي .. روسيا وحربها الأوكرانية.. الاتحاد الأوروبي سياساته الحمائية في تقليص الموازنة العسكرية لضمان ضرائب معقولة... كذلك إسرائيل التي ستجد نفسها امام استحقاق حل الدولتين.. والشرق الأوسط امام صفقة القرن التي تتضمن إعادة توطين الفلسطينين الرافضين لهذه الصفقة في دول أخرى!! خامسا : تتمثل ردود الأفعال الاقتصادية..  في نماذج صناعات الذكاء الاصطناعي.. وما فيها من تحديات متجددة.. عليه يمكن أن تكون هناك إعادة صياغة لأولويات مجالس إدارة الشركات متعددة الجنسيات.. مما يؤدي إلى تقدم اتجاه القوة في تسويق منتجات( المعرفة الذكية) حصريا لشركات تدار من خلال برامج بحث وتطوير وتمويل بنكي أمريكيين.. مما بعيد الحديث عن الاحتكار الأمريكي بظهور شايلوك جديد ليس في عالم مسرحية تاجر البندقية بل في الاربع سنوات المقبلة من إدارة ترامب!!

 سادسا : أبرز التحديات لبرميل البارود  داخل البيت الأمريكي.. فعنوان الرفاهية جامع مانع في وحدة الشعب الأمريكي من المهاجرين عبر الاجيال .. وضمان هذه الرفاهية مع المتغيرات الجديدة يمكن أن يبعد فتيل التفجير داخل البيت الأمريكي ذاته. وان كان هناك جمهور من المتضررين الذين يكررون منهج  ( مالكوم اكس) او غيره من دعاة الحريات المدنية.

اما أبرز التحديات المنطقية تتجسد في بؤر النزاعات وإمكانيات تطبيق نموذج الاحتواء لبرميل البارود.. ومنع فتيل انفجاره.. هكذا ستفعل دول الاتحاد الأوروبي مقابل ضمان دفء بغاز شرق المتوسط اقل تكلفة من الغاز الروسي.. وكذلك ستفعل روسيا والصين والتمور الاسيوية.. مقابل شراكات فيما يمكن أن يكون من نتاج المعرفة في برامج البحث والتطوير الأمريكية لحقبة الذكاء الاصطناعي المقبلة. اما الشرق الأوسط فيمكن ان يشهد احتواء الملف النووي الإيراني وفق النموذج الليبي ربما ان تتطوع إيران بالموافقة على التفتيش الأمريكي من خلال الأمم المتحدة لكل المرافق النووية الإيرانية التي لابد وان تعمل بالوقود غير القابل لإنتاج سلاح نووي مع الأخذ بعين الاعتبار تحجيم قدراتها التسليحية وضمان عدم الاعتراض على صفقة القرن. السؤال اذا رفضت إيران الثورة ذلك وقبلت به إيران الدولة كيف يمكن تصور السيناريو المقبل؟؟

أيضا يمكن إعادة صياغة صفقة القرن بصفقات متعددة الأطراف تتفق  بثقافة مقبولة وفق السلوك السياسي لدول المنطقة ولكن بنتائج ذات حزمة واحدة.. . تؤكد حل الدولتين والمضي بالاتفاقات الابراهيمية.

اما عراقيا.. وقائع العجز السياسي بمفهومي البيعة والتقليد في نظام مفاسد المحاصصة والمكونات.. تواجه حالة تتطلب قرارات جديدة مصيرية... ما بين التمسك بمفاسد المحاصصة وامراء عوائل الأحزاب باي ثمن يتطلبه أبعاد فتيل إدارة ترامب عن العراق.. او الاستغراق في مستنقع جديد من تضارب المصالح..فقط لمنع انفجار البارود العراقي من جديد!!

 ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!