الأربعاء 2025/2/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
قصة قصيرة لقاء الغرباء...
قصة قصيرة لقاء الغرباء...
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

أمل الكعبي

 

استيقظ معي قراري أن أحج إلى ذلك المكان الذي التقيته فيه ذات مرة والذي لا أجرؤ على زيارته خوفا من استفزاز وجع الحنين.

وها أنا أدخل معرض الكتاب بخطوات مليئة بالتردد، وأقاوم بكل ما اوتيتُ لأحبس الذكريات والوعود والاتفاقات والورود والردود والحوارات وتبادل الأحزان والهموم والقفشات والأمنيات وتفاصيل حياة حاولت اقفال صندوقها الأسود بعيداً عن متناول أيدي الذاكرة وشطحات الخيال  وتحذيري وتذكيري أنني هنا لأبتاع كتبا ليس إلّا، وأن علي أن أشغل نفسي بنفسي وبتلك الطاولات البسيطة المغبرة التي يباع فوقها أكداس من عصارة الفهم وأعماق أفكار إنسان، ومخاضات تجارب النجاح والفشل وقصص الحب بين اليأس والأمل .. لتباع بأثمان مهما بدت باهضة هي لدى صاحبها لاتعادل شرارة أول فكرة ولا حرارة أول حسرة ..

لم أخطو بعد سوى بضع أمتار..تجوب عيناي عناوين وأسماء المؤلفين .. وأمسك بكتاب ثم أتركه لآخر وما في جيبي لا يسد رمق نهمي لكل ما وقعت عليه عيناي.. وما أرغب في اقتناءه، فثقلتْ خطواتي فجأة إذ استشعرت خليطاً من هواجس متضاربة حلتْ في صدري فاضطرب حالي وكنت على وشك الإدبار للعودة من حيث أتيتُ..

فإذا بي بلفحة أنفاس من خلفي  لطالما عرفتها وأظنها تعرفني، وثمة حلقة تضيق من حولي فتأخذني مني إليها..

أهو ذاك الذي كان يوماً طوق نجاة خرقه حجر الهجر؟ وهل عدتُ اليوم ليعيدني من البر الى الغرق ؟ صوت لطالما كان وقع تردداته أغنيتي قبل النوم..! فمن أي الأرجاء يشدو.. علي أن أتحقق!.

اشرأب عنقي إلى أقصاه والتسقتْ أجفاني بمحجرها واتسعت أحداقي ترتفعان ببطء كتوأمين  صغيرين يسترقان من رقابة الكبار ارتقاء السلالم خلسة لأول مرة بأقدام واهنة.. وكانت كل سلمة تكشف عن تفاصيل وأبعاد أحفظها وأحافظ عليها أكثر من حفاظي على نفسي وشيئا فشيئا ترائ لي أعلى السلم ذلك الوجه الذي أخشى على قلبي مواجهته! ذلك الزائر الذي أقام فيه لعامين ثم تعملق حتى صار الساكن والمسكون والطريق اليه ومر بالخاطر ولم يغادر وصار الخاطر ضيفه الوله المجنون وهو المضيف الوارف الحنون..

إلا لعنة القدر على القدر.. كيف يحيك الصدف ليجمعنا بما نحذر!.

حاولت تكذيب الخبر.. ومسحت عيناي عل المنظر يتغير، لكنه ظل يتكرر، ابتعدت لخطوات.. ثم خطوات أكثر علني واهمة علها ذكراه من جوفي تتناثر !.

فلفت انتباهي وتحديقي وشتاتي..انتباهه وتحديقه.. إلّا إن شتاتي لم يعنيه وارتجافي لم يجتذب رعشة في يديه، لكنه تسمر مذهولاً ومر ببعض ما ممرت به، لكن أسرع مني بدرجات نحو التماسك والانضباط ...

وخطى نحوي خطوات كانت كل واحدة تضاعف دقات قلبي حتى ظننتها باتت مرئية مسموعة..للعالم أجمع .. لا أتذكر من تمتمات الحديث الذي بدى غير مترابط ولم يستغرق سوى بضع دقائق إلا من كيف أنتِ ؟ من أين أتيت؟ وكيف وصلتي إليّ  فارتميت على ثنايا معطفي  في عقر بيتى! كآخر ورقة خريف حطتْ على خريف سنيني، فأجبته: إنه القدر

 وربما قذفتني السماء أو بشارة هلال أول الشهر! أو لعله رقَّ لحالي فأمشاني إليك القمر..

وفجاة أغشي عليّ من الداخل بينما أنا أحاول ظاهراً التوازن، لكنه أيضاً خذلني فتجمدتُ كمنحوتة ثابتة مالي أرى ولا أرى!! أسمع ولا أسمع .. آخر ما أذكره جيداً أني كدتُ أقفز فوق كل حواجز الناس والدين والعرف لأتعلق برقبته يوماً أوعاماً .. وأقبل صورتي في مرآة عينيه.. نعم كدت أفعلها حقا إلا أني وجدت فيه كل ما أحببته في ما مضى كما هو إلا صورتي!.

نظر في ساعته متعذراً بضيق الوقت وزحام الالتزامات... واستدار مسرعاً يحث كل جوارحه خطى وأذا بقلبي يحث الخطى ليتبعه بعينين لم تزل أجفانها متجمدة على أقصى انفراجتها، لكن مع دمع تدافع كسحابة سوداء تشكلت بلمح البصر.. ضاقت بها السماء فتقاطرت مطراً ساخباً متراصاً بعضه أغشى على بصري وبصيرتي وبعضه تعلق كالأثقال  مصطفاً على رموشي.. وبعضه انطلق مسرعاً على وجهي بلا وجهة كعداء يجري صوب مدالية ذهبية.. لقد اختفى ذلك الزائر الباقي العابر ..

ولا أدري كم مضى من الوقت وأنا واقفة يسندني ذلك العمود الحديدي؟.

رفعت رأسي نحو السماء لأتبين سر هذا الظلام ! يا إلهي متى حل المساء!  وبين خيبة وخوف ووجع وضعف فجأة رنَّ جرس العودة للواقع في رأسي، وقلبي ما زال يشكوني إليه ويشكوه إلي .. استعدتُ زمام نفسي.. ومسحت وجهي المغسول بالدمع ،وكم كان الليل ستاراً وكاتم أسرار  إذ أعانني على التخفي والبكاء بوجه بش.. وتجميع زجاج قلبي المكسور فجمعنا نصف قلب هش..  ومضينا معا نرتب فوضى عبث لقاء الغرباء.

.......

المشـاهدات 44   تاريخ الإضافـة 03/02/2025   رقم المحتوى 58731
أضف تقييـم