النـص :
لم تعد هناك دولة تعيش باستقلال تام بدون ان تدخل في معاهدات أو اتفاقيات وشراكات مع الاخرين فاليوم ليس كالامس، كانت الدول في الماضي قد تتمكن من ان تعيش وتعتمد على قدراتها الذاتية وامكاناتها، اما اليوم وفي ضل التطور الحديث، وتداخل المصالح، تحتم على الجميع ان يكون جزءا من الاخرين، لذا جاء مفهوم المشاركة والشراكة وليس الاستيلاء والتحكم والتفرد في القرارات، مما يجعل الدولة تعيش حالة انفراد وعزلة وربما، لا تصمد امام التحديات. ان التفاعلات الدولية وتداخل المصالح مع الحفاظ على الاستقلال والاستقرار، ليس بالأمر الهين، بل يتطلب القدرة على الكثير من المقومات والمقدمات، حتى تتمكن الدولة من صياغة تفاهمات وشراكات منسجمة مع تطلعاتها ومصالحها، من دون الاضرار باي طرف، وهذا يعتمد على حجم قدرتها السياسية والاقتصادية والامنية والصناعية والعسكرية والزراعية والبشرية ومواردها النفطية او المائية او السياحية وغيرها من المصادر التي تمنحها القدرة على فرض نفسها، وتمنحها فسحه للتحرك والمرونة بعيدا عن الإملاءات الداخلية والخارجية، حيث تكون ذات سيادة مستقلة. ان العزلة لم تعد تجدي نفعا، فلابد من الانخراط مع الاخر مع الحفاظ على الاستقلال والارادة الحرة، وفق مبدأ الشراكة، وليس كما يذهب البعض إلى تأسيس مفهوم الشراكة بعيدا عن الإستقلال، لانه يؤدي إلى تذويب الهوية. ان المسؤولية الاخلاقية والوطنية، تفرض على الدول ان تحافظ على هويتها وقيمها السامية ومبادئها الحقة، وعدم تبديلها بما يعاكسها بحجة الانخراط مع العالم المتحضر. ان النخب الحاكمة، تتحمل مسؤولية النهوض بالبلد وتحقيق المكتسبات وتطوير المنجزات بشرط الكفاءة والنزاهة، وبناء علاقات دولية متوازنة لتحقيق مصالح مواطنيها متناسقة مع متطلبات الشراكة الدولية، وان لا تكون شريك ضعيف أو متدني، نعم لا ننكر ان الفردية لدى الدول الكبرى والانانية تجعل عمل القيادات السياسية لشعوبنا ليس بالامر الهين، ولكن ليس معناه ان نستسلم ونخضع بشكل يحولنا من شركاء إلى عبيد بل الحفاظ على القدر الممكن من تحقيق المكاسب العليا والمصالح والمصير الافضل بعيدا عن المتاعب والدخول في صراع لا يحمد عقباه.ان حسن الادارة من قبل الطبقة الحاكمة اتجاه شعبها وتحقيق العدالة الاجتماعية والامن والاستقرار وتسييد القانون والاستفادة من الموارد الداخلية والاستعانة بالكفاءات والخبرات وتحقيق التنمية والبناء، وان تكون الحكومة جزء من الحل وليس هي المشكلة فالفساد والمحاصصة والمحسوبية وتهميش دور الشعب عوامل تؤدي إلى نهايات مؤسفة على المستوى المتوسط والبعيد، فان العنف من قبل الحكومات لشعبها وقمعه لا يكون حلالا بل يساهم في اسالة الدماء والدمار والتخلف والفشل والتراجع، وينتشر الفساد على جميع مستوياته وانواعه، بل يساهم في فقدان الأمن والإستقرار على مستوى الداخل، ويؤثر على جيرانه، فتكون التحديات كبيرة ومكلفة بسبب فقدان القدرة على الادارة الجيدة واحتواء المشكلات التي يمكن حلها بالطرق العلمية والسياسية والقانونية والاقتصادية حيث تفقد الدولة مكانتها ومصداقيتها، وتكون عرضة للتدخلات الخارجية حتى تصل النوبة إلى فرض عقوبات عليها والتحكم بمواردها و قراراتها كما حدث في العراق ابان حكم النظام البعثي المقيت، الذي تفنن في الحروب وغزو الدول واحتلالها مع قمع شعبه، فكانت النتيجة حصار اقتصادي مدمر وفرض عقوبات قاسية عليه وعزلة اقليمية ودولية وجعله تحت الوصاية الدولية حتى وصل الامر إلى التدخل العسكري واسقاط حكومته.علينا الاستفادة من التجارب السابقة وجعلها امام ناظرنا وعدم تكرارها وان نتعامل بشكل ايجابي مع الازمات وعدم السماح إلى تفاقمها، بل المبادرة السريعة والجادة لحلها بعيدا عن المماطلة والتسويف وعلى النخب الحاكمة التعامل بشكل جدي لمعالجة المشاكل ومواجه التحديات بما يحقق الاستقرار والتنمية والسعي لحل النزاعات والمشاكل والازمات بروح منفتحة صادقة وجادة وقرارات استثنائية تساهم في حلحلتها وليس تفاقمها، لذا ينبغي التفكير بقضايا تجعل الامة تمتلك قرارها وسيادتها بشكل يسمح لها من تحقيق متطلبات المرحلة وتحقيق المكتسبات الوطنية مع مشاركة الاخرين وفق مبدا التوازن والشراكة، ومهما يملك البلد من موارد بشرية ومادية كبيرة فلابد ان يحتاج إلى الخارج لضمان نموه بعقد التفاهمات والاتفاقيات مع المنظمات والمؤسسات والهيئات والدول، والا ستكون موارده سببا في تدميره من خلال احتلاله وسيطرة الدول عليه وتحكمها بقراره، لان الموارد الطبيعية والبشرية تحتاج إلى بيئة مستقرة كما حدث في العراق.اننا اليوم بامس الحاجة إلى الوسطية فلا ينبغي ان نتجه نحو الانانية الفردية والهيمنة المتغطرسة والتحكم بكل العالم، أو نكون تبع لغيرنا، فلا هذا ولا ذاك فكلاهما يساهمان في انهاء أي حضارة وتدميرها وموتها.ان محاربة الفقر والبطالة والمرض وتحسين التعليم والاهتمام بالصحة وتطوير الخدمات وحماية المجتمع بكل أطيافه من دون تمييز والاهتمام بكل ما يتعلق بحقوق الافراد والجماعات، كلها عوامل تساعد على الإستقرار وعندها سيستشعر المواطن بانتمائه وسيبذل كل ما يملك من اجل وطنه. ان الالتزام بالمعايير الإنسانية من حقوق الانسان والمساواة والتبادل السلمي للسلطة والعدالة الإجتماعية والقانونية تؤدي إلى النجاح في بناء مجتمع متحضر قادر على تحمل المسؤولية ويكون جزء من الحلول لأنه سيشارك النخب الحاكمة في بلورة المواقف الهادفة التي تصب في مصلحة الجميع.
|