![](images/logo2.png)
![]() |
نموذج لقصيدة النثر الشعرية في ... هالةٌ مظلمة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
َدراسة نقدية يوسف عبود جويعد المجموعة الشعرية "هالةٌ مظلمة" للشاعر أمير الحلاج، تمنحنا فرصة طيبة، للوقوف على المسيرة الشعرية لقصيدة النثر، وسر نجاحها ونضوج أدواتها البنائية، وتعتمد الجودة في هذا النمط من الشعر، على وعي الشاعر، ومدى إلمامه بعملية صناعة القصيدة، التي تعتمد اولاً وأخيراً على اختياره لمفردات شعرية تكون عابرة الى اللغة الاعتيادية وتعتمد على الانزياحية المرتبطة بروح القصيدة وجمال تناسقها، ومدى ارتباط هذه الانزياحات بثيمة القصيدة وايقاعها وانسيابيتها، وتتسم لغة الشاعر أمير الحلاج في هذه المجموعة النثرية، بكونها اعتمدت هذه الانزياحية والصور الاستعارية والدلالات الرمزية، لتكون في خدمة القصيدة الشعرية وتسمو بها حتى تتفاعل وتتحد مع مسار الحركة الشعرية، لتكون كتلة متوهجة غارقة في الحس الشعري الذي يزج القارئ وسط متونها المحلقة في الفضاء الشعري دون أن يجد ما يوقف هذا التحليق، لأن الشاعر أجاد صناعته للقصيدة الشعرية لتهيمن على حواسه، وهو يقدم قصائد متنوعة من حيث المضمون والشكل والثيمات، وهي هموم يومية، وتداعيات ذاتية، ومناجاة روحية عميقة، ولم أكن مغالياً في ذلك، فتحليلنا لقصائد المجموعة هذه تؤكد صحة ما ذهبنا اليه، واقصد أن تلك المجموعة تمنحنا السياق الفني المطلوب لصناعة القصيدة النثر التي تقتضي من الشاعر أن يكون بمستوى استيعابها وفهمها، لتكون مستقلة وبعيدة عن الانماط الشعري الاخرى، فلكل نمط شعري وعاء خاص به. وفي القصيدة النثرية الشعرية "هالةٌ مظلمة" التي حملت المجموعة عنوانها، نكون مع هذا الوهم الذي ينتابه، بأنه يحاول الخروج من تلك الهالة المظلمة، الا أنه يعيش فيها ووسط ظلامها وآلامها: لا أُعينُ احتياجكَ لفظةَ هَجْوٍ، ولا لجفافِكَ، أمْنحُ عينيكَ لذَّةَ سقْيٍ فكن مطمئناً، ستبقى على دكّةِ الصَّبرِ، مثلَ الرّمال، تصلّي عسى الرّيحُ يُوقظُها هاربٌ من زفيري. فلا تمنحِ الصَّبر باباً، يَمُدُّ اليدين بوضْعِ احتضانٍ، فدربك خارج مسرى خطاي، لعلَّكَ تصحو، وتدرك أنَّك في الهالةِ المظلمة. وقد ارتأيت أن أنقل هذه القصيدة كاملة، لكي تتاح لنا فرصة للاطلاع على السياق الفني والاسلوب والرؤية الفنية التي اتخذها الشاعر في عملية صناعة القصيدة، فبنية العنونة في هذه النصوص الشعرية بمنزلة باب موارب للولوج الى متن النص، لأن العنوان اختير بشكل متقن ليمنحنا البذرة الاولى لثيمة القصيدة ومضمونها، وهو يعد عتبة نصية موازية للقصيدة، كما نجد أننا سوف نسبح في عالم شعري، غارق بالأحاسيس الملتهبة، ونمضي مع القصيدة في سياقها المتناسق، الذي سوف يكشف لنا نهايتها التي تمثل نتاج هذا الغوص العميق. أما القصيدة النثرية الشعرية "مبراة قلم" فأنها تقربنا أكثر لتلك الرؤية الفنية، إذ إن هذا المبراة والقلم، ما هي الا رمز واستعارة فنية لحقيقة الحياة التي تزداد فيه المخالب، وتستعمر الانسان: هكذا نحنُ، كالقلمِ المستكين بفوْهة مبْراته. تستفيقُ المخالبُ حيث ترانا، فتشبُ فينا دروب التّمعن، عن سببٍ يتقصّد آثار ظلِّ خطانا فيستعمر الجوهرَ المستظلَّ بلبِّ النّقاء، ورفْقِ يدٍ حانيةْ. بيدَ أنَّ الغوايةَ لا تنزوي، أو تميل عن الصوتِ، يطلق إيحاءه ، ليكون البياضُ المصفى أما القصيدة النثرية الشعرية "نباح فاسد" فتقدم لنا رؤية شعرية فنية للفاسدين والفساد: أفكلّما كلبٌ تجرَّأَ بالنِّباحِ العظمُ يُرمى نحوه؟ فيصدُّ حيثُ الوجهة الأخرى، ويبقى مستمراً لا يكفُّ بنبرةٍ تنهي التّذمَّرَ، تفشيَ المخْبوءَ في الأعماق، ما ينمو من الأحلام فيهِ، بأن بعضَ الرّفقِ ينهي الثّورة الكبرى، وفي القصيدة النثرية الشعرية القصيرة والمختزلة والمكثفة، "مثل رعد" التي تحيلنا الى هذا العاشق الضمآن الذي ينتظر مجيء حبيبته، التي تجيء كرعد صيف بعد طول انتظار: مثل رعْد بصيفٍ، تجيئينَ حاملةٌ ما نرومُ رؤاه من الحلمِ، كي نرتوي بعد أن شقَّقَ الرّوحَ، ما فاحَ من تربةٍ شوهتها الخرائط، واستعمر الدّودُ بعضَ الأخاديد. ويقدم لنا الشاعر رؤية فنية شعرية للوداع الممقوت في قصيدته "وداع ممقوت" لا أحبّذُ أن يستفيق الوداعُ بروحي، له المقتُ كسنبلةٍ تتشعّبُ أذرعُها. بالحبوب التّباهي لصورتها يعلنُ الخيلاءَ مشيراً بالوان أجْنحةٍ تتراقًصُ كي تشهر الفوزَ تشهر دربَ تخطّى الموازين. تشهر صورتها، وهي تعلنُ ما يفرض الوضعُ خاتمة للحوارٍ. اما القصيدة النثرية الشعرية "كن واضحاً" فأنها تمنحنا شحنة وطاقة من أجل السعي لتحقيق الهدف المتوخاة، ويجب ان تكون واضحاً: كن واضحاً في رصيفِ حلْمِكَ أمنياتٍ، للسّلالم ترتقي، وتجرّ رأسَ الشَّمسِ نحوكَ صاغراً ليصوغ تاجاً لا يملُّ مكانَه. واتْركْ رؤىٌ تجْتاح روحكَ، كي تفوزَ بنجمةٍ وبظلها، والحال تفرضُ أن تمدَّ خطاكَ نحو تألقٍ، من عينِ نافذةٍ تطلُّ بسحْرِها وفي قصيدة "لصديقي" فأنها بعض عتاب للصديق ممزوج برؤية فنية لبناء قصيدة تحمل هذا الانزياح الشعري: يا صديقي أدَوْماً تغالطُ ذاتك من فكرةٍ، ربما لحظةُ الانكسارِ تبلورها، فيشعُّ اعتكافُكَ في نقرةٍ، يتحلق حولك صحْبٌ، يساند واحدُهم واحداً في رحيل القناعةِ؟ لكنها حالة اليدِ تصْنعُ واليدَ، برجاً، لإعلاءِ شأن الأيادي التي تفتحُ البابَ، كي يتسربَ وردٌ رأى قوَّة الرّيح وهكذا فإن المجموعة النثرية الشعرية "هالةٌ مظلمة" للشاعر أمير الحلاج، نموذج راقٍ للقصيدة النثرية التي تضخ شعراً دون وزنٍ أو قافية. من اصدارات دار امل الجديدة – سورية – دمشق لعام 2024 |
المشـاهدات 52 تاريخ الإضافـة 16/02/2025 رقم المحتوى 59331 |