
![]() |
التعريف العلمي لمفهوم الدولة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : تعتبر الدولة، من أهم الموضوعات التي يتناولها علم السياسة باهتمام و تركيز. و يمكننا أن نؤكد ما يراه علماء السياسة و مفكروها - بحق - من أن الدولة، موضوع محوري في علم السياسة، و من أهم وحدات التحليل السياسي، ذلك أن موضوعات علم السياسة، عند سبرها و تقسيمها، تتمحور حول محورين رئيسين، هما : النظام السياسي، و المنتظم السياسي، و للدولة ارتباط وثيق بالمحورين معا. و قد تعددت تعريفات الدولة، تعددا نادر النظير في تعريفات المفاهيم، و يبعث على الدهشة في الأرقام التي أحصيت لهذه التعريفات، حتى أنه نُقِل عن بعض الباحثين، إحصاء ١٤٥ تعريفا لمفهوم الدولة. و لعل هذا ما حدا بعالم السياسة ديفيد إيستون، الى الذهاب الى التركيز على عمل النظام السياسي نفسه، في دراسة علم السياسة، بدلا من التقيد بمفهوم الدولة، باعتبار أنه مفهوم يكتنفه الغموض.و الذي بدا لي في دراستي لمفهوم الدولة، أن الغموض، ليس بسبب إبهام المفهوم، بقدر ما هو بسبب ضعف القدرة على بلورته، نظرا للخلط بين عدة مفاهيم متداخلة و متشابكة، و يتطلب الأمر عملية فرز بينها، إذا تمت، فسيبرز مفهوم الدولة بوضوح. و قد انعكس الإخفاق في تعريف الدولة، على بيان عناصرها الأساسية، و التي لخصها جملة من المؤلفين في علم السياسة، بأربعة عناصر:
١- الرقعة الجغرافية التي تستقر عليها جماعة من البشر، هم الشعب.
٢- التجمع البشري، الذي يستقر على الرقعة الجغرافية، و جمعته عليها روابط معينة أضفت عليه خصوصية في الرقعة التي استقر عليها.
٣- السلطة التي تحكم التجمع البشري على الرقعة التي استقر عليها.
٤- السيادة التي تتمثل في سيادة الشعب على الرقعة الجغرافية التي استقر عليها، و في سيادة السلطة الحاكمة على الرقعة الجغرافية بمن فيها و ما فيها.
و في ضوء هذه العناصر، يتم تعريف الدولة، بأنها كيان سياسي و قانوني منظم، يتمثل في تجمع بشري مترابط، على رقعة جغرافية محددة، يخضع لسلطة ذات سيادة تقوم على إدارته. و عند إجراء التدقيق و المقارنة، في تحليل هذا التعريف، نستطيع أن نستكشف الثغرة فيه، و التي تجعلنا نصفه علميا بأنه تعريف خاطيء. إذا أخذنا الإقطاعيات كمثال، و الإقطاعية كما عُرّفَت عبارة عن تجمع اقتصادي سياسي تتداخل فيه الملكية الخاصة مع السيطرة العامة، نجد أن العناصر المذكورة للدولة، متوافرة فيها، و بالتالي ينطبق عليها التعريف المزبور، لكن الإقطاعية حتى إذا كانت واسعة، لا توصف في علم السياسة بالدولة حتى إذا لم تكن جزء من دولة أو خاضعة لدولة، كما حدث في أوروبا بعد القضاء على الإمبراطورية الرومانية، و تلاشي ظاهرة الدولة، و قيام نظام الإقطاعيات. و في مثال آخر، توجد في مجتمعات بدائية، سلطة غالبا ما تكون عشائرية، و تنطبق العناصر المذكورة للدولة، و بالتالي ينطبق التعريف السالف للدولة على هذه الحالة، و لكنها لا توصف في علم السياسة بالدولة. و في نموذج ثالث، لا توصف في علم السياسة، المناطق التي يحصل فيها تجمع بشري مترابط على أرض محددة، و يخضع لشخص بيده سلطة حاكمة، بالدولة. فقبل قيام الدولة السعودية الأولى، على سبيل المثال، كان في نجد حكام مناطق، و مع أن العناصر المذكورة للدولة و التعريف المذكور للدولة، ينطبق على تلك المناطق آنذاك، إلا أن تلك المناطق لا يطلق عليها في علم السياسة وصف الدول، و لم توصف آنذاك في العرف السياسي المجتمعي، بهذا الوصف. هذه المقارنات، تقودنا الى وجود عنصر أساسي يتقوم به مفهوم الدولة، و منه تكتسب الدولة هذا التوصيف. كل سلطة، عبارة عن منتظم سياسي، هو ذلك النسق السياسي للتفاعلات السياسية في المجتمع و التي تجسد آلية الحكم و الإدارة. و هذا المنتظم موجود في الكيانات الإقطاعية، و في السلطة في المجتمعات البدائية، و في نماذج حكم المناطق، الأمر الذي يدلل على أن المنتظم السياسي، ليس مقوّما لمفهوم الدولة. و إذا أدركنا أن هناك فرقا دقيقا بين المنتظم السياسي و النظام السياسي، و أن الأمثلة التي ذكرناها و التي لا يتم توصيفها في علم السياسة، و في العرف السياسي المجتمعي، بوصف الدولة، فيها منتظم سياسي، و لكنها فاقدة لنظام سياسي ذي هوية سياسية مميِّزة و شخصية قانونية، سنصل الى ما يتقوم به مفهوم الدولة، فالدولة هي عنوان للكيان الذي تأخذ فيه السلطة، شكل نظام سياسي ذي هوية مميِّزة و شخصية قانونية.إن التجمع البشري المترابط، و الرقعة الجغرافية المحددة، و السلطة الحاكمة، هي عناصر سوسيولوجية في الدولة، و لكن العنصر الذي تتقوم به الدولة، هو العنصر السياسي - القانوني، الذي يتمثل في النظام السياسي ذي الهوية المميِّزة و الشخصية القانونية. و بناء على ذلك، يرتفع الخلط بين الدولة و السلطة و كيان الحكم، فالدولة ليست عبارة عن مجرد السلطة، و ليس كل كيان للحكم دولة، و إنما الدولة عبارة عن عنوان لنظام سياسي ذي هوية سياسية مميِّزة و شخصية قانونية، لكيان يتمثل في تجمع بشري مترابط يستقر على رقعة جغرافية محددة و يخضع لمنتظم سياسي تقوم عليه سلطة. و في ضوء هذه الحقيقة، لا بد أن يضاف عنصر خامس الى العناصر الأساسية للدولة، و هو النظام السياسي ذو الهوية المميِّزة و الشخصية القانونية. |
المشـاهدات 255 تاريخ الإضافـة 22/02/2025 رقم المحتوى 59593 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |