الأحد 2025/2/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 3.95 مئويـة
نيوز بار
سفيان صلاح نجم الظل ناصر أبوعون
سفيان صلاح نجم الظل ناصر أبوعون
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناصر أبوعون
النـص :

 

سفيان صلاح وثلّة من شعراء الجنوب وبعضٌ من عشّاق الكلمة المغموسة بالكرامة الخارجة من فم الحقيقة تنزف دم الكبرياء رِهَانٌ ناجح على أنّ العواصم بضجيجها، وهوسها ببقع الضوء التي تنفجر كفقاقيع الصابون لا تصنعُ أدبًا ولا تُربّي مُثقفًا يمكنه الانفلات من حالة الاستقطاب الأيديولوجي التي تطحن رحاها يوميًا كلَّ رغبة في الاستقلال..سفيان صلاح أحد نجوم الظل في صعيد مصر، وأيقونة شعرية ونقدية تسطع على مدار الساعة في ليل الأقاليم الدامس الذي يربط بطنه على حجر الشعر، ويمضغ أحزانه حُرٌّ لا يأكل بكلامه.

في سائر قصائد ديوان (آثار جانبية) يمزج سفيان صلاح بين (التفعيلة والنثر)، بل يحلو له توظيف لعبة الانزياح اللغوي ويضفّر الإيقاع الداخليّ في منظومة لغوية تتكون من طبقات رسوبية من الدلالات، ويستنطق التفاعيل؛ ولكنّها عاقلة غير صاخبة، ولا تدّعي كذبا الثورية الجوفاء، وكثيرًا نضبطها تمارس الرقص بلا موسيقى رنانة خلف غلالات شفيفة من الاستعارات.

في قصيدة (نجم الظل) يبدو الازياح اللغوي جليا، ويتقاطر من أكمامه شهد من المدلولات المتكئة على مثلث متساوي الأضلاع من العوامل الفعّالة في إنتاج الانزياح وفق تعبير (صفاء ذياب) وهي:(ضلع إسناديٌّ) يوظّف الاستعارة بأقصى طاقتها الشعريّة و(ضلع تحديديّ) ينحت صورًا وصفيّة مبتكرة وجديدة لم يسبقه إليها أحدٌ، و(ضلع تركيبيٌّ) ييمكن تسميته بمعمل الكيمياء اللغوية حيث يمارس سفيان صلاح شططه في مزج الأضداد، بحثًا عن مُركّبٍ شعريٍّ أكثر جدَّة وطرافة.

وعلى صعيد (محاكمة اللغة الشعرية والافتتان بالمقدس) نعثر عند سفيان صلاح على إشكاليّة ثنائية تتكون من قطبين متضادين هما: الحركة والسكون - وفق تعبير محمد سعد سالم سعد الله-؛ وهي ثنائية من شأنها أن تتجسد في النصّ الشعريّ بشطره إلى بِنيتينِ: (بِنْية داخلية عميقة) ديناميكية تتصف بالحركة والاضطراب، و(بِنْية خارجية سطحيّة) استاتيكية تتصف بالسكون والثبات، وهنا تتبدّى حقيقة المعاناة الشعريّة التي يمر بها سفيان صلاح، وهي معاناة في جوهرها سعيٌ دؤوب، وكربٌ عظيم، ومحنة ومخاضٌ عسير من أجل استيلاد معادلة حقيقية، وتحالف ناضج بين طرفي الإشكالية الثنائية.

لكن الأجمل أن سفيان صلاح – كما عرفتُه - يترجّل في الشارع الثقافيّ عن يمينه شاعرٌ جنوبيّ -يتهيّبُ لافتات التغريب والقوالب الحداثوية المُعلّبة، بل ويكشف عن ساقيه كلمّا خاض في لُجّة الحداثة- وعن شماله ناقدٌ وقاريءٌ انتقائيّ مطلّع رغم محدودية الموارد وضيق الأمكنة واندهاسه يوميا تحت عجلات قطار الرزق السريع باحثًا بكرامة عمَّا يقيم أود القصيدة، وهو أيضًا ديمقراطيّ لأبعد الحدود لا يمارس الفعل السلطويّ الناعم لفلسفة اللغة، ولا يسعى خَبيثًا ومناورًا إلى (صقل اللغة ومنحها صيغة لاهوتيّة لتمارس فعلها القمعيّ بصمت)، وليست غايته تمديد فاعليتها وإكسابها قداسة زائفة، ولا يؤمن بالمسلَّمات خارج نسقية عقيدته الدينية؛ وإن كان على الصعيد الوطنيّ شوفينيّ بامتياز وهذا ما أقدره فيه.

(نجم الظل)[كم مرَّ من الوقت/ وأنا أتمخض بي/حُبًّا/ في ألم/ يتسكع تحت الأشجار/ لوَّاذًا من طلقات تتربص بي/ وكأني رحم زان/ كم طُرق صلّيت بها في ألق الآيات/ كم شجر/ لمجانين/ لعشاق/ لكثير/ من أصناف التشكيلات/ هززتُ/ وكم بدّلتُ الطقس بطقس فيوضاتي/ لكن/ مازلتُ/ وجنبي ليس سوى جدْيٍ/ جاء من الصحراء/ ورائي/ ذاتيًا يتبوّل تحتي/ أو يتشمم جلدي حين أنام طريدًا/ بفضاء/ أو تحت جدار/أو نخل/ يستلب الخضرة طول الوقت/ على شاطيء نهر القلب الخارج/ عن دائرة المصطلحات/ كم من الوقت مرّ/ ربما سنة/ ربّما ألف ألف/ وهم يعبرون على خيل زهوٍ رمادية/ شابكي عمر جوع على ربطات العنق/ كدبابيس ماسٍ تبخ على وجهي الضحكات/ لعل دمي ينقلب وأنا أتمخض بي/ بين ذات مهمشة مبهجة/ والتي في عيون الشوارع/ والضوء حين تسلله/ من فراغ الغصون التي تحترق/ تعتصر الروح والقدمان/ يفتت سطو الجسد/ قِلّة/ من يحبونني باعتباري دواءً مريرًا/ لوجه النهارِ المهّشّم/ هم يفردون الصدور على حذر لي/ ويلقونني/ فيكون اللقاء لقاء مساء بنجم تفجّر فوقه/ ثم اندلق/ وكثيرون يخشونني كالفضيحة/ في لابتكار السدود لكل مسامي/ لعل السواد يظل ورود الورق/ كم من الوقت مرّ/ ألف مليون عام/ سنة/ لحظة/ربّما/ قرب بالهواء مليء تكتلها/ ربّما/بالفراغ/ ومازال فوق الفضاء/ يشيّد صرح التزحلق/ في نشوة متبادلة/ والأراضي تقص عن المارق المرتقب/ وأنا أت مخ ض/ بي/ حُبًّا/ في وجع/ وأراني ظلا/ حول أغاني العشاق المصلوبين على مدد الوقت/ يتيم القلب/ المصلوب ضريرا/ فوق شوارع/ نجم المقتنيات].

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 22/02/2025   رقم المحتوى 59649
أضف تقييـم