الإثنين 2025/3/10 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
الشيخ الشاعر محمد حيدر ... مسيرة حافلة وعطاء دائم
الشيخ الشاعر محمد حيدر ... مسيرة حافلة وعطاء دائم
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

د عبد الحسين علوان الدرويش

ابو باقر محمد بن الشيخ جعفر بن الشيخ علي حيدر واسرة ال حيدر من الاسر العلمية المعروفة التي ظهر منها عدد من رجال الفكر والسياسة والادب العراقي ، وموطنهم منطقة سوق الشيوخ ولد الشيخ محمد في سوق الشيوخ سنه 1927م، ونشأ بين احضان ابيه ، وأعمامه ، وقد بعثه  والده الى النجف الاشرف للدراسة ، واقتفاء خطى الاباء .

درس بالنجف على يد الشيخ محمد تقي الجواهري ، والشيخ علي زين الدين، والشيخ محمد رضا الحويزي ، والسيد محمد علي الحمامي ، والسيد اسماعيل الصدر ، والسيد محمد تقي بحر العلوم والشيخ محمد طاهر ال راضي . كما حضر شطراً من ابحاث السيد محسن الحكيم والسيد ابو قاسم الخوئي .

وبعد وفاة والدة اضطربت أموره المعيشية ولم يستطع مواصلة دراسته بالشكل الذي يرتضيه لنفسة بسبب الضائقة المادية التي عصفت به في الخمسينات الميلادية فاضطر للذهاب وكيلاً دينياً الى مدينة (جلولاء)، التابعة لقضاء خانقين شمالي العراق وبقي فيها ثلاث سنوات الا ان رجع الى مسقط راسة مره اخرى ثم عاد الى جلولاء بعد سته شهور من ذهابه عنها ثم انتقل الى بغداد عالماً موجهاً وحط رحله فيها .

وفي حدود سنه 1967 بعثه الامام السيد محسن الحكيم الى مدينة الحلة وكيلاً عنه. فأقام بها حتى استقامت شؤونه ووجد له ارضاً خصبة من العلماء والاعلام ، والشباب المثقف وكان هذه المدينة كانت مناه ، فعمل لأحياء ماغبر من الثقافة ، وانطمس من عصور ازدهار العلم والادب في هذه الحاضرة التاريخية العريقة

فأسس سنه 1969 م ((ندوره القلم الاسلامي )) التي اقيمت مجمعاً لأرباب الفضل من الادباء والمثقفين وقد خلد اسمها ثله من الشعراء المتميزين وعلى راسهم الشيخ محمد حيدر نفسه . والسيد عبد الرحيم العميدي والسيد محمد علي النجار الحلي، والسيد محمد سليمان ( من اسرة الشاعر السيد حيدر الحلي ) وغيرهم بما افاضوا من اشعار ومقطعات ادبية في مناسبات عديدة اوردت معظمها ضمن المجلد الاول من ( الروض الخميل ) تحت عنوان (( ظرائف ندوه القلم الاسلامي )) وهي بدورها تكشف عن طبيعة الوضع الاجتماعي وما يعيشه العراق في هذه الحقبة الزمنية بالذات وطبيعة التفكير السائد لدى هذه المجموعة .

مارس ابو باقر منذ نعومة اضافره قرض الشعر ، والكتابة والتأليف وهو يمتاز بسليقة وقّادة شعراً ونثراً لإيكاد اذا نظم شعراً او كتب نثراً ان يعود الى ما كتب ليحذف هذا ويشطب ذاك بل تراه يسطر شعرة وكانه يملية من ذاكرته فقط فهو ينظم البيت تلو البيت في ساعة نسخ القصيدة وكأنه ينسخ شعراً فقط دون ان يعمل ملكة النظم او يؤرق نفسه فيها

وهذا ينعكس على أسلوبه النثري فهو لا يكاد يكتب بحثاً او مقالة ليعود اليها.  

والغريب ان شعره ونثره يجيئان دائما على مستوى عال من الجودة والاناقة . وهذه بعض مواهبة وملكاته المتفردة به او المتفرد بها . والشيخ محمد شخصية اليفة ودودة يحسن ادامة الصحبة ويحافظ على أصدقائه . اما داره بالحلة فهي عامرة بالزائرين يستقبلهم بروحه ووداعته وصدق سلوكه وواقعيتة  وهو مع حالة المتواضع يفيض على المحتاجين بتلبية احتياجاتهم ما وسعه ذلك اما روح الطرفة والفكاهة فهي تعج باحاديثه وتنعكس على شعره ونثره فهو يقتنص النكتة اقتناصاً ويصطادها اصطياداً. وباختصار فان مجلسه هو منتدى ثقافي لاينكفى عنه زائروه  الا بكل ما هو طريف وجديد .

كتب الى السيد عبد الصاحب الحكيم عندما اهداه "جورباً" شاكياً ومؤنباً :

يأبن ( الحكيم ) لقد بعثت هدية     ختمت فمي وتملكت احساسي

الناس ترفع بالهدايا راسها         وتركتني فيها اطاطي راسي

ومن نوادره : كتب هذين البيتين عند تأخير الراتب الشهري من السيد الخوئي يوم طالبا هذين البيتين عند تأخير الراتب الشهري من السيد الخوئي يوم كان طالباً في النجف الاشرف ( كان الراتب يصل بد الشيخ احمد الطرفي )

ان ( لـلـخـوئـي ) شهراً           ( احـمـد ) يطلعُ فجرة

قد عـهدنـاه قصـيراً              لااطـال الله عمـرة

ومن شعره ما ارسلة الى احد أصدقائه من طلبة العلوم الدينية :

سئمتُ من الحياة ومن إناس       تخبطُ في متاهات الظلام

لقد عاشوا على فضلات ايدٍ      كما عاش الطبيب على السقام

رأى الشيخ محمد حيدر السيد حازم سليمان الحلي ، ومعه لفيفٌ من ( المفاليس ). ينوون انشاء منتدى ادبي فخاطبة مرتجلا:

(إني على العهد لم انقض مودتكم )      فسجلوني في نادي المفاليس

وفي طريق – كربلاء الحلة، قرب مشهد الامام عل (ع) اس حي سكني للحكام , وبالمناسبة نظم هذين البيتين :

قيل هذا حي حكام     بلادي – قلــــت وي

حي حكام ، ولكن      ليس في الحكام حي

ومن طرائقه : طلب صديقة السيد محمد حسين فضل الله بعد سفره عن العراق أواخر الستينات الميلادية صورة له ، فبعث بتصويره اليه مع هذين البيتين مستغلاً كبر حجم أنفه :

أيها الطالب مني       صورة تحمل وصفي

كلما اثبت حسنا           قال ( انفي ) انا (انفي ) !

والجناس واضحٌ في كلمة (أنفي ).

مؤلفاته :

وكلها مخطوطة لم يطبع شيء منها، وهي:

  1. دراسات في القران الكريم
  2. دراسات فلسفية ( دروس القاها على طلاب ندوة القلم ).
  3. الرسول يتحدث
  4. رواية (( هيفاء ))
  5. الزهراء في خطبتها الغراء
  6. الكشكول الجديد.
  7. ديوان شعره اسماه ( في طريقي ) رتبة على أبواب ، وقد كتب على صفحته الأولى من نظمه هذه الابيات:

وفي(( طريقي ))وقد زحفت وراء الــ  ركب يرميَ عليّ حفنةَ عطر

وغدي فاغر الشفاه كطفلٍ  سوف ينمو عليّ صبابه فكري

ينحت من ليلي الطويل جروحاً ثم غنيت منه اعراس فجر

فاذا بي وقد نثرتُ دموعي وسكُبت الشباب من كأس عمري

وبعد وفاه السيد الحكيم انتقلت الزعامة الى السيد الخوئي فبقي الشيخ محمد ال حيدر وكيلا عنه في الحلة استمرارا لوكالته للسيد الحكيم وقد اتخذ من مسجد أبن النما الحلي مقراً له واصبح المسجد بمثابه مدرسة علمية أدبية للوعظ والإرشاد وتهذيب النفوس وكان يلقي محاضرته العلمية فيه ويقيم الصلوات جماعة مع عدد غفير من المؤمنين الصالحين .

اما مسيرته الجهادية فقد بدأت من ولده ( مرتضى) الذي قتل من دون أي مبرر بعد تعقبه ومتابعته ثم التحق ( باقر ) وهو الابن الاخر للشيخ بركب الشهداء في المقابر الجماعية عام 1991 بعد اعتقال والده

وختمت تلك الحياة العطرة المعطرة بالعلم والادب والبطولة والجهاد بالاستشهاد في اذار عام 1991 م سائراً على نهج ابي الاحرار الامام الحسين ( صلوات الله وسلامة عليه وعلى اهل بيته وصحبة اجمعين ) في اعظم شعار رفعه بوجه الطاغية ( هيهات منا الذلة )

اما عن السيدة ( ام نبأ ) كريمة الشهيد الشيخ الشاعر محمد حيدر فهي طالبة علم وملاية

 ولدت الحاجة   ام نبا سنه 1953 م في مدينة سوق الشيوخ, وبعد عامين ارتحل والدها الى  مدينة النجف الاشرف لغرض الدراسة الحوزويّة ,بعدها كلّف تكليفا شرعيا للذهاب إلى جلولاء سنة ١٩٥٨م ,بقي ينشر تعاليم أهل البيت (عليه السلام) لمدة عشرة سنوات ,يعدها أنتقل إلى بغداد الجديدة , وكان عمرها آنذاك ١٢ عاما ,ومن هنا بدأت رحلتها مع الحياة حيث أنها امتثلت الى أمر والدها , وتفرغت بعد ذلك لخدمة اهل البيت من خلال الإيفاء بمتطلبات الدعوة المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام) . وفي عام ١٩٦٨م وفي شهر رمضان المبارك كانت الرحلة إلى مدينة العلم والاخلاق ,ألا وهي مدينة الحلة الفيحاء, وسرعان ما التف حول ابيها أهالي الحلة بكل أطيافهم ,ولم تكن الحاجة ام نبأ بعيدة عن هذه الاحداث, زيادة على ذلك عند وفاة والدتها أصبحت ملازمة لوالدها ,وقد وصفها في تلك الأونة بانها الام والاخت والبنت . في عام ١٩٧٤م تقدّم لخطبتها رجل مؤمن من أهل البصرة أسمه (الشيخ حافظ السهلاني) وكان طالب حوزوي , ولم يمضي على زواجها ٨ سنين حتى تم اختطاف زوجها من قبل ازلام النظام ومن هنا بدأت معاناتها حيث كان لديها ٣ بنات صغار, وكانت حاملا بالطفل الرابع ,من هنا بدأت الايام المريرة تمر عليها ,ثم ابصر النور ولدها الوحيد محمد امين السهلاني. واستمرت المعاناة بعد استشهاد أخيها (مرتضى), واستمر النظام بالضغط والتضييق على والدها الشيخ محمد حيدر , حتى الانتفاضة الشعبانية عام ١٩٩١م حيث تم تصفية والدها

جسديا , حتى لم يبقَ في البيت رجل تعول عليه إلا اللّه عز وجل , ولم تستسلم واستعانت بالصبر - ومن هنا بدأت مشوارها مع المضي في طريق الحسين (عليه السلام) , وقد لمحت بارقة من الامل والنور والتبصّر والمعرفة , وهي متمثلة بالذوبان في روح الشعائر الحسينية المقدسة وكانت تعزي نفسها وأهلها وأرحامها بمصيبة الحسين (عليه السلام) , فما كان من تلك التعزية إلا طريقا يرسم لها الوصول إلى رضا اللّٰه ونبيه وأهل بيته ,وبعد عدة سنوات من قيامها بإرشاد الناس بمبادئ الحسين (عليه السلام) والتزام بسيرته ,اصبحت هذه المصيبة خير عزاء لها , ولكل الموالين للأهل البيت (عليهم السلام) . ولذا فقد عوّضت بذريّة صالحة وحياة مطمئنة بذكر سيرة اهل العصمة، وهي تقول (لا أعتقد ان احدا يعرف مقدار السعادة التي احسها بين جنبي ولا يمكن أن أصف مقدارها إلى أي أنسان على وجه الخليقة كون الكلمات تعجز عن وصفها , وما بقى لي إلا أن اشكر اللّٰه عز وجل على كل شيء  والحمد لله رب العالمين )

اما عن علاقتي بالشيخ الشاعر محمد حيدر عندما اهد لي كتاب من سلسة الموسوعة الصغيرة بعنوان (الشريف الرضي وجهوده النحوية) من تأليف د. حازم سليمان الحلي وكان الاهداء كالاتي (هديتي باعتزاز لابن اختي ومن يشدني الية عامل الخؤولة (عبد الحسين علوان الدرويش) على ضوء المسيرة التاريخية وللمثل الأعلى وليوم المهدي)

التوقيع محمد حيدر  6/3/1987م  رغم مرور اكثر من نصف قرن على تلك الحقبة من العمر الاسطوري ، بكل صور تلك المحطات الذهبية ، صور حية ، ناطقة بإحساس عجيب ، كأنها شريط سينماتي لمخرج عجائبي ، يغوض في ادق التفاصيل، كان بيت الشيخ محمد حيدر يقع في محلة التعيس في المدينة  ، احدي المحلات الشعبية ، ذو تراث ثمين ودفين ، حيث تقع وسط مركز المدينة، تمتد من محلة الأكراد شمالاً الى محلة الجباويين جنوباً ، ويفصل محلة التعيس شارع الري الذي يحدها من الأقسام الشرقية ، أما الغريبة فيجدها الشارع العام الذاهب من منطقة باب الحسين إلى باب المشهد

وترجع تسميتها إلى وجود مرتفع يسمى ( تل العيس ) ، فكانت القوافل التجارية أنداك تخط بها للراحة ، وتجتر الجمال ما بقى من حشائش في جوفها استعدادا لسير القافلة الى جهة ما. فكانت جدتي ام والدي (أم علوان) تذهب بي كل عطلة صيفية الى بيت الشيخ محمد حيدر وكنت حين ذاك في الدراسة المتوسطة .. وكنت ارافق الشيخ في تنقلاته ما بين مسجد ابن نما لأداء فريضة الصلاة والمحاضرات اليومية والمجالسة الثقافية في مدينة الحلة وخاصة في مكتبته العامرة في بيته ذو الطراز العتيق الذي فيه سرداب ننام فيه قيلولة الظهيرة الحمراء ، وذلك لانشغال الطابق بالضيوف وطلاب العلم والعلماء ،في بعض  الأحيان كنت اصعد على حين غرة الى البراني في البيت ، واجلس في إحدى زواياه اراقب واستمتع  الى حديثهم ونقاشاتهم التي تدور حول الفقه والمسائل  الشرعية والمرجعية والأدب والشعر والقصص والحكايات الأدبية والمساجلات الشعرية

وكان الشيخ محمد حيدر بالنسبة لي هو الحافز والدافع الذي وضعني في كتابة النصوص النثرية والبدايات الاولى ، حيث كنت آنذاك خجولاً في البداية عندما كنت اكتب أي نص حتى اعرضه عليه فيأخذ بيدي نحو المجد الادبي وهو يشجعني على الاستمرار بالكتابة والقراءة وحب المطالعة في كافة المجالات الادب وهكذا كانت الرابطة الخؤولة التي يرتبط بها الشيخ محمد حيدر بوالدي اضافة الى العامل المهم هو صله الاداب والعلم فهو نافذتي الثقافية في العطاء والمواصلة في عالم الكتب والمكتبات بشاشته وسماحته وتواضعه الجم وضيافته الكريمة وانا اتكلم عن نفسي قد تمتد الضيافة الى كل العطل الصيفية ، وكان بيته ومكتبته ملتقى الادباء والشعراء والعلماء والمفكرين وطلاب العلم وبدا واضحاً وحرصه الكبير على احياء التراث الانساني بالخصوص تراث الحلة الفيحاء .الشيخ العالم الشاعر المبدع الاديب اللامع محمد حيدر عند اعتقل في شهر اذار من عام 1991م وقتل قتلة مأساوية ودفن بالمقابر الجماعية 

صرح من المجد لو انا نؤنبه    كما يرام لضاقت  دونه الكلم

فسلام علية يوم ولد ويوم استشهد  ويوم يبعث حيا

 

المشـاهدات 16   تاريخ الإضافـة 10/03/2025   رقم المحتوى 60295
أضف تقييـم