
![]() |
الدراما الدينية ....جريمة فكرية هل تحتاج الى محاكمة؟!! |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : اشارة تفحص/شوقي كريم حسن
في عالم تتشابك فيه العقائد مع الانتماءات، وتختلط فيه الحقيقة بالمقدس، تظل الدراما الدينية ساحة صراع بين الإبداع والمحظور، بين التأمل والتكفير. هل يمكن للمجتمعات أن تتعامل مع الدراما الدينية بوصفها عملاً فنياً وفكرياً، أم أنها ستبقى رهينة حساسياتها التاريخية والطائفية؟لطالما كانت الدراما انعكاسًا للواقع، لكنها عندما تلامس الدين، تصطدم بجدرانٍ غير مرئية من المحظورات والتابوهات. فالموروث الديني ليس نصًا محايدًا لدى الشعوب، بل هو ذاكرة مقدسة، تُستخدم أحيانًا كأداة للهوية السياسية والاجتماعية، ما يجعل أي تناول درامي له خاضعًا للرقابة الذاتية قبل أن يكون رهين الرقابة الرسمية. هنا يكمن التحدي: كيف يمكن قراءة التاريخ الديني درامياً دون الوقوع في فخ التقديس أو الإساءة؟إن العودة إلى التاريخ تكشف أن الدراما الدينية ليست جديدة. منذ المسرح الإغريقي الذي تناول صراعات الآلهة والبشر، إلى النصوص الأدبية التي أعادت سرد الأحداث المقدسة برؤية إنسانية، كانت الفنون تسعى لفهم الدين لا لنقضه، لإعادة تقديمه لا لتحريفه. في الغرب، أعادت السينما والتلفزيون تقديم حياة الأنبياء والقديسين، وصورت الصراعات العقائدية الكبرى، دون أن يكون ذلك دائمًا مبررًا للرفض الشعبي. أما في المجتمعات العربية والإسلامية، فإن المحاولات الدرامية غالبًا ما تُحاصر قبل أن تولد، إما بقرارات المنع، أو بحملات التكفير، أو بالخوف من المساس بما لا يجوز الاقتراب منه.ولكن، أليس التاريخ نفسه مادة درامية هائلة؟ ألا يحمل في طياته الصراعات والتناقضات والقصص الإنسانية التي هي جوهر الدراما؟ لماذا نقبل دراسة التاريخ أكاديميًا ونرفض استعادته دراميًا؟ لماذا يُسمح بقراءته من منظور ديني، بينما يُمنع من أن يكون مادة للفن؟المفارقة أن الطوائف والمذاهب المختلفة تقرأ التاريخ من زوايا متباينة، وتُنتج رواياتها الخاصة عن الأحداث والشخصيات، فلماذا يكون التناول الدرامي أكثر خطورة من التناول الطائفي؟ هل الخوف من الدراما نابع من قدرتها على إعادة تشكيل الوعي، وكشف المسكوت عنه، وطرح الأسئلة التي تزعج الثوابت؟إن التحدي الأكبر الذي يواجه الدراما الدينية ليس فقط في الجرأة على الطرح، بل في كيفية تقديم الحكايات دون أن تكون منحازة، دون أن تتحول إلى أداة دعاية لعقيدة أو هدم لأخرى. هل يمكن تقديم شخصيات دينية بإنسانيتها الكاملة؟ هل يمكن تجسيد لحظات الشك والخوف والتردد التي مرت بها شخصيات إيمانية كبرى دون أن يُعد ذلك تجديفًا؟، لا يمكن للدراما أن تنفصل عن تطور المجتمعات. كلما نضج الوعي الجمعي، أصبحت الفنون أكثر قدرة على تناول الدين والتاريخ بحرية. إن طرح الأسئلة ليس جريمة، وقراءة الماضي لا تعني هدمه، بل فهمه. فهل حان الوقت لنزع القدسية عن التاريخ، لا بمعنى انتقاصه، بل بتحريره من قبضة الطوائف، وجعله ملكًا للإنسانية جمعاء؟ إذا كان التاريخ هو سجلّ المنتصرين، فإن الدراما قد تكون صوت المهزومين، وصوت أولئك الذين لم تُسمع رواياتهم. في ظل ضجيج الطوائف وتعصباتها، لا يمكن تجاهل أن قراءة التاريخ الديني اليوم باتت محكومة بمنظور أحادي، حيث تُنتج كل جماعة روايتها الخاصة، وتفرضها كحقيقة مطلقة، بينما يتم تجريم أي محاولة لعرض رؤية مختلفة. لكن هل الدين ذاته يخشى الطرح الدرامي، أم أن الخوف ينبع من السلطة الدينية والسياسية التي تخشى فقدان السيطرة على الرواية الرسمية؟ إن قراءة التاريخ درامياً تعني تفكيك الأساطير المؤسسة، والبحث عن الإنسان خلف الأيقونات، واكتشاف التناقضات التي يتم إنكارها في السرديات الرسمية. فالشخصيات التي رُسمت بقدسية مطلقة كانت في الأصل بشرًا، خاضوا صراعات وأخطاء وقرارات مصيرية، فلماذا يُراد لنا أن نراهم في صورة مثالية خارجة عن الزمن؟ هل نحن أمام تقديس حقيقي، أم مجرد خوف من الاعتراف بأن الماضي كان أكثر تعقيدًا مما نتصور؟ الدراما بطبيعتها تزعزع اليقين، تكشف المسكوت عنه، وتطرح الأسئلة التي لا يرغب أحد في سماعها. وعندما تدخل إلى ساحة الدين، فإنها تهدد بنية كاملة من المفاهيم الراسخة، ليس لأنها تسعى إلى الهدم، بل لأنها تريد الفهم. في الغرب، لم يكن تقديم شخصية المسيح في أفلام مثل آلام المسيح لميل جيبسون أو الإغواء الأخير للمسيح لمارتن سكورسيزي مجرد استعراض قصصي، بل محاولة لرؤية الجانب الإنساني في شخصية إلهية، وهو ما أثار جدلًا، لكنه لم يمنع مناقشته. في المقابل، نجد أن تناول شخصيات إسلامية رئيسية في الدراما العربية يواجه مقاومة شرسة، وكأن التمثيل ذاته يُعد انتهاكًا، لا لحرمة الدين، بل لسلطة الرواية التاريخية السائدة.لكن هل يمكن تجنب الصدام؟ هل يمكن للدراما أن تقدم الدين دون أن تقع في فخ التحيز أو التجريح؟ ربما الحل يكمن في الجرأة المتوازنة: لا تبجيل يُفرغ القصة من محتواها الإنساني، ولا إساءة تثير العداء المجتمعي. ربما علينا أن نتعامل مع الدين في الدراما كما نتعامل مع أي موضوع إنساني آخر: البحث عن الحقيقة، لا فرضها.إن التحولات الفكرية الكبرى تبدأ عندما يتم كسر التابوهات، وعندما يصبح النقد ممكنًا دون خوف من المحاكمة أو التكفير. إذا كانت المجتمعات غير مستعدة اليوم لمشاهدة دراما دينية لا تتبع السرديات الرسمية، فمتى ستكون مستعدة؟ هل سيظل الدين محصورًا في قوالب وعظية لا تتقبّل النقاش، أم أن هناك أفقًا يمكن أن نصل إليه، حيث يصبح الدين جزءًا من الهوية الثقافية، لا سلاحًا في معركة إيديولوجية؟ إن الدعوة إلى قراءة التاريخ درامياً ليست دعوة إلى التلاعب بالمقدس، بل دعوة إلى تحريره من قبضة التأويلات الضيقة. الدين أعمق من أن يُحتكر، والتاريخ أوسع من أن يُختزل في رواية واحدة. وبين سطور الماضي تكمن دراما الإنسان الكبرى: صراعه مع الإيمان، مع السلطة، ومع ذاته. فهل نملك الشجاعة لمشاهدتها دينية حقيقية لا يعني فقط تجاوز الخوف من المحاكمات الفكرية، بل يعني أيضًا امتلاك القدرة على التفريق بين الإيمان كقضية روحية، والتاريخ كحقل إنساني مليء بالتحولات والصراعات. |
المشـاهدات 29 تاريخ الإضافـة 14/03/2025 رقم المحتوى 60507 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |