الإثنين 2025/3/17 توقيـت بغداد 21:09:18
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
نيوز بار
مسرح الاطفال والدهشة الاولى
مسرح الاطفال والدهشة الاولى
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

طالب كاظم

في حيز محدد بأبعاد لا تتسع للاسترسال حول تقديم عرض نقدي يفكك مسرحية "انا والمهرج " التي عرضت على مسرح المنصور في بغداد، اجد نفسي مدفوعا لكتابة تحاول ان تلم بجماليات ذلك العرض، وان تقيم الفعل المسرحي ليس كمحكم او ككانب في مسرح الطفل، انما كمشاهد  ينظر الى العرض الجمالي بعين الطفل، وهو الامر الذي اجده اكثر جدوى من وضع المسرحيات التي تستهدف الاطفال، على طاولة النقد لتقطيع اوصالها معرفيا، رغم ان النقد الموضوعي يكون ملحا حين يتعلق الامر بتفكيك المسرحيات التي تشاكس وعي الاطفال المرهف الذي لم يصقل بعد بالتجربة،  شاهدت مسرحية "انا والمهرج" في حقيقة الامر، لم  اخفي قلقي او ان اتستر عليه، فمسرح الطفل يعد واحدا من المنصات الاكثر تأثيرا في مخيلته ووعيه، طالما ان أي خطا معرفي او جمالي يتلقاه الطفل في سنواته المبكرة، سيحدث في وعيه "الطري" تخريبا لا اقول  لا يمكن اصلاحه بل سنجد صعوبة بالغة في ترميم الاضرار التي يتعرض لها وعيه، وهو الامر الذي نراه  يحدث غالبا في مسرح الطفل العراقي، ليس بدأ بسوء فهم  الوعي والخيال، الذي يميز الطفل عن سواه ، ولا ننتهي بفقر التمويل الذي سينتهي به الامر الى تقديم عروض مسرحية فقيرة في كل شيء، لذا جلست قلقا  انتظر ما سيسفر عن العرض المسرحي، ما ان انسحبت ستارة خشبة المسرح حتى انساب العرض المسرحي، في تصاعد سلس يراعي وعي الاطفال الصغار دون سن الثانية عشرة، ليداعب مخيلتهم الجامحة ، نحن ندرك ان هذه المرحلة العمرية، التي تعد مفترقا بين الطفولة ومرحلة اليافعين، هي المرحلة هي الاكثر تأثرا وتفاعلا بما يحيط بها.

 في عرض متناسق، غير معقد او متكلف، يكشف عن تمكن المخرجة، وهي ايضا مؤلفة النص المسرحي من ادارة ادواتها المسرحية، فالفعل المسرحي يكشف عن ادراك وتفهم عميق  لأهمية تأثيث مخيله الطفل التواقة الى اشباعها بالعوالم  الغرائبية التي يمتاز بها وعيه ، اذا ما عرفنا ان كل شيء يقع تحت نظر الطفل، سيخلق له ندا خياليا، فالحشرات تتحول الى تنانين ..الخ، لذا عملت المخرجة على شحن خياله بلوحات ساحرة وممتعة، ستعيش لوقت طويل في ذاكرته، ان لم ترافقه طوال حياته، بل انها ستحبب اليه العودة مرارا وتكرارا الى المسرح، بوصفه مكانا انيسا يتيح له مشاهدة الجمال والشعور بالمتعة، وهذا الامر يتعلق بمسؤولية الاباء واولياء الامر في تمكين الاطفال من مشاهدة المسرحيات المخصصة لهم.

ان اللوحات الراقصة التي قدمت للأطفال، استقطبت اهتمامهم ، سواء بالأزياء التي صممت بوعي جمالي  يستهدف ادهاش الطفل بألوانها غير المشاكسة، اذ اعتمدت اللون الفضي اللامع الذي يعكس بريق الضوء، وهو الامر الذي اثار خيال  جمهورها، لأنها قادت الطفل الى فضاء مشرع على عوالم خيالية بشخصياتها الجميلة، في حقيقة الامر، وجدت ان مخرجة العرض المسرحي، كانت موفقة في توقيت دخول الجنية وفريقها الراقص، وكأنها، أي شخصية "الجنية"  مستله من قصص الخيال المعروفة، التي قدمتها ديزني، كذلك الامر مع صندوق العجائب والمهرج الطيب مدعوس والمهرج السيء فدعوس، والطفل الصغير "ادم" الذي ادمن العاب العنف الحاسوبية، حتى انفصل عن عالمه الواقعي، مسببا الحزن لامه التي تحاول انقاذه مما هو عالق فيه، الامر الذي تعاني منه اسر عديدة، بسبب ادمان اطفالها على  تلك الالعاب ، النص المسرحي، الذي تم تجسيده على خشبة المسرح ، تناول موضوع ادمان العاب العنف الحاسوبية، الذي استقطب اهتمام العديد من المشتغلين في علم نفس الطفولة ومشكلاتها المعاصرة.

في محاولة منها لتقديم حل يسهم في انقاذ الاطفال، من براثن قبضة هذا الغول الالكتروني السيء ،  بينما الموسيقى التي صاحبت العرض المسرحي وهي من تأليف المايسترو علي خصاف، كانت موفقة ، بل انها اعطت العرض المسرحي زخما مضاعفا، في ادامة التشويق والانتظار والتفاعل العاطفي مع الاحداث المهمة في مفاصل العرض المسرحي، اذ قدم المايسترو علي خصاف، مقطوعات موسيقية بتوزيع عالمي، ان صح التعبير، اجد ان الجانب الاخر من هذه العملية الموسيقية الابداعية، ستقود الطفل وترشده الى عالم الموسيقى الرحب ، فالجمل الموسيقية المبهجة والاحتفالية التي تشبه موسيقى المارشات الاحتفالية، فعلت فعلها الايجابي المؤثر، لأنها عملت كمترجم للفعل المسرحي الصامت، البانتومايم.

 نحن نعرف جيدا ان الطفل يبحث عن المتعة البصرية، فحاسة البصر هي حاسته الاكثر اهمية للتعرف على عالمه الخاص، وهو امر استثمرته جيدا مخرجة المسرحية، د. زينب عبد الامير، حينما قادتهم عبر جنيتها الجميلة، بأجنحتها البراقة وشعرها الفضي اللامع " تذكرني بجنيات بيتر بان" الى مدينة الخيال، في عرض ضوئي نال دهشتهم كـ مشهد البحر والاسماك الملونة ورقصة الدمى، في عرض التضاد الضوئي وسط الظلام، او بما يصطلح عليه بالمسرح الاسود او المعتم.

في التمثيل وجدت ان المهرج مدعوس كان موفقا في الاداء الجميل، الذي قدمه مع زميلته الفراشة الجنية و وكذلك الامر مع شخصية ام الصبي ادم،  بالتأكيد كان ذلك اختيار المخرجة ، فهي الاعرف بقدرات ممثليها الادائية ، كما قامت الاشعار الغنائية، التي كتبها الشاعر جليل خزعل على ملء الفجوات بالأغاني الهادفة، التي قامت بعمل بطاقات غنائية بمصاحبة فريق الراقصين للتعريف بالنص المسرحي، الذي افلت من قبضة التعقيد والوعظ والارباك المعرفي، اذ لم تقم  المؤفة المخرجة بتحميله بالأفكار والمفاهيم  المجردة التي لا يستطيع وعي الطفل فهمها او تفسيرها .

كان عرضا شفافا بلا تعقيدات ولا مغامرات فكرية غير محسوبة العواقب، فالمسرحية بعناصرها الفنية  تناسب الاطفال الصغار، بل انها  ادهشتهم واثثت ذاكرتهم بالجمال والخيال الذي سيدوم في ذاكرتهم لسنوات طويله، وهي ايضا تناسب الاطفال لأنها ستمتعهم بصريا بلا وعظ يطحن طفولتهم.

 د. زينب عبد الامير مخرجة ومؤلفة المسرحية  تستحق الثناء للعمل الجميل الذي قدمته. بل انها قدمت عبر عرضها المسرحي،  رسالة معرفية موجهة للمعنيين بشؤون الطفولة كوزارة الثقافة ومؤسساتها المتخصصة، دائرة السينما والمسرح و دار ثقافة الاطفال، قدر تعلق الامر بالنصوص المسرحية التي تتوفر عليها و هيئة رعاية الطفولة، والمؤسسات الخاصة الكبيرة التي تحاول ان تتلمس طريقها الخجول  لتتعلم تقديم الدعم  المالي لبرامج الطفولة،  فالرسالة التي تقدمها المسرحية،  تخبرهم بان الطفولة العراقية،  تستحق الاهتمام عبر التمويل السخي الذي يسهم في تقديم مسرح طفولة غني بالألوان والاضواء.

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 16/03/2025   رقم المحتوى 60603
أضف تقييـم
loading