
![]() |
في سابقة نادرة هوليوود تنتج فيلمين حول الهندسة المعمارية رغم صعوبة الفكرة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
دالاس (تكساس) - من النادر أن يتخذ فيلم بارز من إنتاج هوليوود من الهندسة المعمارية موضوعا رئيسيا يدور حوله، وفي هذا الخريف، الذي يعد موسما لأفلام الأوسكار، تتاح لنا الفرصة لأن نشاهد فيلمين يتناولان هذا الموضوع، وكل منهما من صنع مخرج متميز وشهير.ونوهت صحيفة ذي دالاس مورننج نيوز بفيلم “ميجالبوليس” للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، وفيلم “ذي بروتاليست” من إخراج برادي كوربت، واسم هذا الفيلم يشير إلى مدرسة معمارية ظهرت في بريطانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا تهتم بالنواحي الجمالية ولكن بالاتجهات العملية التي تنادي بتشييد المباني بشكل سريع لتعويض ما تهدم منها أثناء الحرب، ومع ذلك فالفيلمان يختلفان عن بعضهما إلى حد كبير في النغمة والمضمون، وإن كانا يدوران حول مهندس عبقري مفترض في عالم المعمار، يمنح العالم رؤيته المبدعة والمهيبة.
شخصية المهندس
انعكست طموحات المخرجين والموضوعات التي تناولاها في طول مدة عرض الفيلمين، التي بلغت لهما مجتمعين 353 دقيقة، وكأنها ترصد فترة تشييد مبنى.وهذا البطء في العرض قد يكون هو الشيء الوحيد الذي يكون الفيلمان على صواب فيه في ما يتعلق بالهندسة المعمارية وبناء المدن، وفي معظم الأفلام التي تتناول هذا الموضوع يتم طرح الأفكار القديمة والصور النمطية، التي قد تفيد الأغراض الدرامية ولكنها لا تعكس الطريقة التي نفكر بها تجاه المعمار والتخطيط الحضري اليوم.وهناك سبب وجيه لعدم إنتاج أفلام كثيرة تركز على موضوع الهندسة المعمارية، وهو ذات السبب في عدم وجود أفلام كثيرة تحكي عن المحاسبة القانونية أو هندسة الصرف الصحي، حيث إن مثل هذه المهن تفتقر إلى نوع الإلحاح الوجودي الذي يدفع تطورات الحبكة الروائية السنيمائية ويجذب المتفرج، ولا يوجد أحد يريد أن يجلس داخل دار للسنيما لمدة ساعتين، لكي يشاهد شخصا يضع مخططا هندسيا لمبنى أو يشرح بالتفصيل كيفية تنفيذ مشروع للصرف الصحي.وعلى العموم مهما كانت التحديات التي تواجه إضفاء الطابع الدرامي على موضوع الهندسة المعمارية، فإن شخصية المهندس المعماري لها جاذبية مفهومة لمخرجي الأفلام، فهذا المهندس على الأقل وفقا للصورة النمطية هو أقرب ما يكون للمخرج السنيمائي وفقا لما يمكن للمرء أن يتخيله، فكل منهما يقود طاقم عمل هائلا يخدم مشروعا إبداعيا طويل الأجل، ويحصل في نهايته على نصيب الأسد إما من الإشادة أو اللوم.وفي فيلم “ميجالبوليس” للمخرج كوبولا تتجسد شخصية المعماري في بطل الفيلم سيزار كاتيلينا، رئيس هيئة التصميم في وكالة خيالية كأنها خارجة من روايات كاتب الخيال العلمي المتشائم جورج أورويل، وهي مسؤولة عن الأشغال العامة في مدينة روما الجديدة، (يوصف الفيلم بأنه قصة خيالية يتم فيها نقل الجمهورية الرومانية القديمة إلى مدينة نيويورك الحديثة)، وصمم كوبولا بوعي شخصية كاتيلينا على غرار روبرت موسى المعماري الرئيسي سيء السمعة في تشييد مدينة نيويورك، ومنحه قوى خارقة بحيث يمكنه إيقاف الزمن على سبيل المثال.وفي بدايات الفيلم نرى كاتيلينا يشرف على مشروع هدم واسع النطاق، لإفساح المكان لإنشاء مدينة فاضلة داخل المدينة القائمة بالفعل، بغض النظر عن اعتراضات المحتجين.وما يوحي به فيلم “ميجالبوليس”، وهو ما يعد أمرا مفروغا منه، أن الفكرة المثيرة للقلق هي أن الهندسة المعمارية وإنشاء المدن، هما نتاج عمل أشخاص عباقرة ذكور بمفردهم، لديهم امتياز فرض رؤيتهم أيا كانت على السكان بغض النظر عن مشيئتهم ومهما كانت التكاليف.
نظرة إلى التصاميم
تدور الحبكة الدرامية لفيلم “ذي بروتاليست” حول نفس هذا الافتراض، ويحكي الفيلم قصة لازلو توث وهو مهندس معماري يهودي من المجر، هاجر إلى الولايات المتحدة بعد أن نجا من المحرقة.وتغيرت حظوظ توث عندما تم تعيينه لتجديد مكتبة خاصة لرجل الصناعة فان بورن، وهو المشروع الذي دفع فان بورن بعد ذلك إلى تكليف توث بتصميم مركز مجتمعي أطلق عليه اسم المعهد، متاخم لممتلكاته لإسكان شريحة العمال.والسؤال هنا هو هل طلب أي شخص في هذا التجمع السكاني إنشاء مثل هذا المركز؟ وهل سبق القرار أي استشارات مع السكان حول تصميم المركز؟ من الواضح أن ذلك لم يحدث.ومدفوعا بجرأة بالغة بدأ توث العمل في المركز الذي سيصير أعظم أعماله المعمارية، غير مبال بأي شخص قد يعترض على خططه.وعندما انتهى العمل في المركز بدا وكأنه مصنع عملاق، مع أشكال ضخمة بيضاء من الخارج وغرف تشبه الزنزانات في الداخل.فقط في خاتمة الفيلم، التي تدور أحداثها بعد عقود، نعلم المصدر الذي ألهم توث تصميمه للمعهد، ولماذا كان مصرا على تنفيذه وفقا لتعليماته، فاتضح أن التصميم كان على غرار معسكر الاعتقال بوتشنفالد التابع للنظام النازي، حيث سجن توث أثناء الحرب العالمية الثانية، واختتم الفيلم بالإشادة بتوث كبطل في بينالي فينيسيا للمعمار، باعتباره صاحب رؤية لا يلين تمكن من التغلب على عالم مادي لا يرحم.ونقر بأنه من الصعب إخراج دراما سنيمائية تدور حول اجتماعات لسكان حي تستغرق أربع ساعات، تحفل بمناقشات بين السكان والمهندسين المعماريين والمحامين والمسؤولين السياسيين، تتعلق بالقررات الخاصة بالتصميم والميزانية المخصصة للتنفيذ، ولكن مهما كانت الأحوال فإن هذه هي الطريقة التي تصنع بها الهندسة المعمارية اليوم، ليس من قبل العباقرة المعماريين بشكل منفرد والذين يفرضون وجهات نظرهم، ولكن عن طريق زبائن ومهنيين يعملون في شراكة لا يسودها النظام.ونحن نأمل أن تنتج لنا هوليوود أفلاما تتناول هذا المنحى الجديد.
|
المشـاهدات 23 تاريخ الإضافـة 19/03/2025 رقم المحتوى 60743 |