الجمعة 2025/3/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 17.11 مئويـة
نيوز بار
الامام علي عليه السلام المصلح الإنساني
الامام علي عليه السلام المصلح الإنساني
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسين الزيادي
النـص :

 

 

عندما نتأمل في شخصية الامام علي عليه السلام، ونتبدر مزاياها وخصائصها المادية والمعنوية سنجد أنفسنا أمام شخصية استثنائية فريدة في علمها وزهدها وشجاعتها وجهادها وعدالتها، ولاعجب في ذلك فهذه الشخصية  تخرجت من مدرسة الإسلام وتربت على يدي رسول الرحمة صلى الله عليه واله وسلم، وترجمت القران قولاً وفعلاً ، ونتيجة لما تقدم أسس الامام عليه السلام مدرسة عظيمة في التمسك بالقيم الاخلاقية والانسانية، فكان يمتلك بعداً انسانياً وديمقراطياً سبق به كل المناهج الديموقراطية في عالم اليوم، فلم يجبر أحد على مبايعته بالقوة، وأعطى حرية الرائ حتى لمعارضيه، وارسى افضل النهج الديمقراطية في التعامل مع الخصوم وبهذا يمكن القول أن الإمام علي عليه السلام سبق عصره بفكره المنفتح ونظرته الثاقبة إلى العدالة ومبادئ المساواة بين البشر، وتأكيده على إنسانية الإنسان بغض النظر عن أصله الاجتماعي واتجاهاته وميوله، ولذلك أصبح عليه السلام ملهماً ليس للمسلمين فحسب، بل لعموم من يؤمن بالقيم الإنسانية، وقد بلغ التسامح الديني لديه أن يسمح للذمي أن يخاصم إمام المسلمين ويطالبه بالبّينة لدعواه، كما اتفق ذلك في قصة درع أمير المؤمنين (عليه السلام) ومخاصمته في عصر خلافته مع رجل من اليهود عند شريح القاضي، وبهذا تحمل المدرسة الفكرية للإمام علي  معانى إنسانية ضخمة تتكئ على بعد انساني متأصل نابع من روح الاسلام الحقيقي، فقد أسس الإمام عليه السلام دولة النموذج الإنساني بامتياز ووضع أسس الفلسفة لجوانب متعددة من الحياة، وهي اسس لم يعهدها المجتمع آنذاك ، ونشير إلى واقعة أخرى تؤكد على ضمان أمير المؤمنين (عليه السلام) لحقوق غير المسلمين ممن يعيشون في المجتمع المسلم وتحت ظلال الدولة الإسلامية، حيث تسجل لنا كتب التاريخ هذا الموقف النبيل، إذ رويّ ان الامام عليه السلام مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال عليه السّلام: ما هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال عليه السّلام: (استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال).وقد جسد الإمام علي (ع) حرية الرائ والتعبير بشكل عملي  , فقد خرج ذات يوم من المسجد فقال له أحد المسلمين أنا لا اصلي معك في عيد و لا في جمعة ولا في جماعة ولا أخرج معك إلى الجهاد فقال له ( وأنا لا اضيرك مادام المسلمون منك في أمان ) , هذه السيرة لرجل مثل علي عليه السلام تسللت إلى قلوب الناس وسيطرت على اراوحهم بالأفعال, فلم يجد من أبغض عليا سيئة او منفذ صغير يستطيع فيه المغرضون ان ينفذوا اليه بسمومهم, من هنا أصبح الإمام علي(ع) صوت العدالة الإنسانية وابرز للإسلام صورة سمحة مشرقة مليئة بالعطاء والوسطية والاعتدال عن طريق اعترافه بحقوق الأقليات، وهو بهذا لم يتجاوز عصره فحسب، بل تجاوز عصرنا أيضاً .العدالة لدى أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- مقدمة على اي شيء، وانه لا يوجد للحاكم امتيازات ومخصصات واستغلال للمنصب وتقديم وتوزيع الهدايا من بيت المال والتصرف بالدولة وكأنها ملك له أو لعائلته وحاشيته، فالمنصب عند الامام عليه السلام تكليف صعب ولاعلاقة له بالتشريف ، بل على الحاكم ان يسمح للرعية بالتعبير عن آرائها ومواقفها والاعتراض على الحاكم والحكومة، وان للناس حقوق يجب احترامها، بل الحاكم عند الامام علي (ع) هو المسؤول عن كل شخص في حكومته وهو من يتحمل مسؤولية الخطأ ، لا فرق لديه بين قريب وبعيد ونسيب وصديق ومسلم أو غير مسلم، فالناس في دولته متساوون من ناحية المواطنة والحقوق، والناس أو الخلق بالنسبة لديه صنفان ، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.رفض عليه السلام ان يبنَّى نهجًا إصلاحيًاً جريئًا وهو العارف ان في ذلك استقراراً لحكمه،  أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، منذ اليوم الاول لبيعته إلى نهجه الأصولي في الإصلاح، ونبّه إلى سياساته على هذا الصعيد بشكل مقتضب، وهو يقول: اعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب.وفي ثاني أيام خلافته اعتلى المنبر، ثُمّ راح يصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق، وهو يقول مامعناه: (ألا إنّ كلّ قطيعة ، وكلّ مال من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تُزوّج به النساء وفُرّق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق، وهكذا كان هذا الحديث لأمير المؤمنين بمنزلة الصاعقة التي نزلت على رؤوس من يعنيهم الأمر، إذ راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلوية تتجسّد في معارضة شخصيات معروفة لحكم الإمام.في اليوم الثالث من أيام عهد الإمام دعا الناس إلى تسلم أعطياتهم من بيت المال، إذ أمر عليه السلام كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، أن يسير على النهج التالي: ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كلّ رجل منهم ثلاثة دنانير، ثُمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك. أدرك سُراة القوم وكبراؤهم أنَّ العدالة الاقتصادية في ظلال حكم الامام علي ليست شعاراً وحسب، بل هي نهج جادّ وتطبيقاً لا محيد عنه، فراحوا يتذرّعون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام وأبدوا تذمّرهم من ذلك، فما كان من ابن أبي رافع إلا أنْ رفع الأمر إلى أمير المؤمنين، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيات المرموقة، بل أعلن بحزم إدامة نهجه الإصلاحي، وهو يقول: والله، إن بقيت وسلمت لهم، لأقيمنّهم على المحجّة البيضاء.

 

المشـاهدات 46   تاريخ الإضافـة 19/03/2025   رقم المحتوى 60746
أضف تقييـم