الثلاثاء 2025/4/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
نيوز بار
يظهر أعراض انهيار واضح ناتج عن سياسات دعم مشوهة وغياب توثيق فعال وتوجهات تقيد الإبداع المسرح المغربي يواجه أزمات وقيودا مزمنة
يظهر أعراض انهيار واضح ناتج عن سياسات دعم مشوهة وغياب توثيق فعال وتوجهات تقيد الإبداع المسرح المغربي يواجه أزمات وقيودا مزمنة
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الرباط - يشهد المسرح المغربي اليوم انهيارا متسارعا، إذ يتهاوى تحت وطأة سياسات مشوهة تحت لغة دعم وزارة الثقافة والتي تفتقر إلى رؤية إستراتيجية حقيقية قادرة على إنعاش هذا الفن العريق، خاصة أن المسرح المغربي يمتلك تاريخا غنيا يعود إلى عصور الازدهار الأولى، عندما بدأت ملامحه تتشكل مع مسارح وليلي وليكسوس في القرن الأول الميلادي، متأثرا بالتقاطع الثقافي بين الأمازيغية والرومانية، بينما أنتجت هذه الفترة فرجة تفاعلية جذبت الجمهور المغربي، لتتطور لاحقا أشكال شعبية كالحلقة والبساط، التي ازدهرت في ساحات جامع الفنا وباب المنصور، محافظة على حيوية التواصل الشعبي المغربي.ومع ظهور المسرح المعاصر في مسرح ثيربانتيس عام 1913، أُعلن عن مرحلة جديدة، لكن هذا الإرث الغني يواجه اليوم تهديدا بفعل سياسات دعم غير متوازنة، ليتحول دعم المسرحيات إلى أداة تقييد بعيدة عن قدرة التمكين، عندما يركز على فئة ضيقة من الفرق المسرحية، متجاهلا التنوع التاريخي الذي شكّل هوية هذا الفن من بدايته، وهذا التوجه يضعف الأسس التي قامت عليها التجربة المسرحية المغربية، ويهمل الهواة والرواد الأصليين الذين كانوا مصدر حياتها.ففي السابق ازدهر المسرح بحرية الإبداع غير المقيدة، متجسدا في استعراضات إمذيازن بين القرى، وحلقات الحكي في الأسواق، ومجالس البساط التي وحدت بين النخبة والعامة، وهؤلاء المبدعون غير المؤطرين أثروا في رواد كبار مثل الطيب الصديقي وعبدالقادر البدوي والطيب لعلج، مستمدين من التراث قوة التجديد التي جعلت المسرح المغربي متميزا.لكن السياسة الحالية تفرض قيودا أكاديمية صارمة، إذ تحصر المسرح في خريجي المعاهد، وتضعه في إطار تعليم رسمي يعيق الإبداع الحر، وهذا التوجه يعطي الأولوية للشهادات على حساب الموهبة الطبيعية، ويستبعد الرواد الأصليين والهواة من المشهد، ملقيا بهم في هوة النسيان، وليس التفاعل الشعبي الذي كان سمة المسرح تاريخيا كما في حلقات “الحلايقي” بساحة جامع الفنا، أو أوراد الأعراس في سوس، أو شعر إزران بالأطلس، تفضل الجهات الرسمية دعم فرق محددة تفتقر إلى الصدى الجماهيري المغربي، وهذا يعمق أزمة أبي الفنون ويُفقده جذوره.ويعاني المسرح المغربي أيضا من غياب تسجيل المسرحيات وبثها عبر وسائل الإعـلام، وهـو ما يحد من نموه ويحصره في قاعات مغلقة ذات جمهور محدود، بينما تاريخيا تميز هـذا الفن بانفتاحه الواسع، حينما استوعبت مسارح وليلي الآلاف من المتفرجين، وجذبت الحلقات الشعبية الجماهير بقصصها المغربية، ومع توفر الإعلام الحديث اليوم، كان من المفتـرض أن يتيح فـرصة وصـول المسـرح إلى كـل بيت مغربي، لكنه يظل غائبا عن الشاشات، محروما من توثيق يحفظ إبداعاته ويعزز حضوره، وهذا الإهمال يتناقض مع طبيعة المسرح التي اعتمدت على التفاعل الجماهيري الواسع، ويُشكل عائقا رئيسيا أمام استمراريته وبقائه حيا.ويفرغ الاقتباس المفرط من المسرحيات العالمية المسرح المغربي من هويته الثقافية، محوّلا إياه إلى صدى باهت لتجارب أجنبية، رغم أن المغرب يمتلك تراثا غنيا يشمل قصص “ألف ليلة وليلة”، وأساطير “سيف بن ذي يزن”، وشعر إمذيازن وآهال، لكن الواقع يظهر مسرحيات مقتبسة تفتقر إلى الروح المحلية.وتدعم الجهات الرسمية فرقا تشارك في مهرجانات عربية، تحظى بالدعم والترويج، لكنها تقدم عروضا مركبة تبقى بعيدة عن اهتمام الجمهور المغربي، وتهمل الأعمال الأصلية المستلهمة من التراث الشعبي، وهذا التوجه يعكس أزمة هوية عميقة، تضعف ارتباط المسرح بجذوره الشعبية وتُفقده قدرته على التجدد.ويستدعي الوضع الحالي تغييرا جذريا يعيد الاعتبار للمسرح المغربي وينقذه من الانهيار، لقد صمد هذا الفن عبر العصور، بدءا من مسارح جوبا الثاني، واستمرارا مع استعراضات عبيدات الرما، لكنه يتطلب اليوم دعما شاملا يشمل الهواة والرواد، ويفتح المجال للإبداع الحر، ويوثق الأعمال، ويبثها للجماهير عبر التلفزيون أو المنصات التدفقية القابلة للتحميل، فالمسرح المغربي الذي يمتد تراثه من وليلي إلى جامع الفنا، يستحق أكثر من أن يُترك للموت تحت وطأة الإهمال.إن إحياء أبي الفنون في المغرب ضرورة ثقافية تحترم تاريخه العريق وتضمن استمراريته كجسر تواصل حي بين الماضي والحاضر، لكن بدون أن ننسى أن الهواة هم أصل كل الفنون.ويُظهر المسرح المغربي اليوم أعراض انهيار ناتج عن سياسات دعم مشوهة، وغياب توثيق فعّال، وتوجهات أكاديمية تقيد الإبداع، واقتباسات تُفقده هويته، ويتطلب إنقاذه إعادة تقييم شاملة تعيد للهواة والرواد دورهم المحوري، وتستلهم من التراث لخلق مسرح معاصر يعكس الواقع المغربي، ودون هذا التغيير سيظل المسرح المغربي أسيرا لسياسات تُحكم عليه بالموت البطيء، بعيدا عن دوره التاريخي كصوت شعبي حي ومبدع.

 

عبدالرحيم الشافعي

المشـاهدات 11   تاريخ الإضافـة 07/04/2025   رقم المحتوى 61324
أضف تقييـم