الأربعاء 2025/4/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 9.95 مئويـة
نيوز بار
المصارف العربية والأجنبية في قلب العراق الجديد
المصارف العربية والأجنبية في قلب العراق الجديد
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

 

 

ثمّة ما يشبه التحوّل الهادئ الذي يجري في مفاصل الاقتصاد العراقي، لا يُقرَع له طبلٌ ولا يُعلن له عن احتفال، لكنه يلمع كضوء خافت في الأفق، يشير إلى يقظة مرتقبة. ففي حين تتجه أنظار العالم نحو الاقتصادات الكبيرة وتقلبات الأسواق العالمية، تتسلّل إلى بغداد بشائر استقرار تتجسّد في قرارات وتوجّهات تعكس رغبة صادقة في بناء بيئة استثمارية حقيقية، جذابة وآمنة، تدفع برؤوس الأموال العربية والأجنبية إلى المجيء لا كمغامرة، بل كخيار محسوب ومدروس.

 

إن التواجد المصرفي العربي والأجنبي في العراق اليوم لم يعد مجرد حدث مالي تقني، بل صار مؤشراً سياسياً واقتصادياً يعبّر عن حجم الثقة التي بدأت تُبنى في بنية الدولة. عودة مصارف مثل البنك العربي، بعد عقود من الغياب، ليست مجرد عودة لخدمات مصرفية كلاسيكية، بل هي عودة الذاكرة الاقتصادية إلى بلد عريق كان ذات يوم مركزاً مالياً في الشرق الأوسط. فقرار مؤسسة مالية إقليمية بوزن البنك العربي بالاستثمار في بغداد مجدداً، ليس قراراً عابراً، بل يعكس دراسة متأنية للمخاطر والفرص، وانطباعاً واضحاً بأن العراق يسير في طريق الاستقرار الحقيقي.

 

هذه العودة المصرفية ليست فقط دلالة على تحسن المناخ المالي، بل هي إحدى بوابات التنمية الطويلة الأمد. فالمصارف لا تأتي برؤوس أموالها وحدها، بل تأتي محمّلة بثقافة مؤسساتية، وهياكل حوكمة، ومفاهيم إدارة مخاطر، وشبكات علاقات دولية، وأهم من ذلك كله: تأتي بإيمان بأن هذا البلد قابل للنهوض، ويستحق أن يُستثمر فيه. وهي رسالة غير مباشرة من هذه المؤسسات إلى العالم: العراق يعود.

 

يأتي هذا الانفتاح المصرفي في ظل حكومة أبدت منذ بداياتها توجهاً واضحاً نحو دعم الاقتصاد الحقيقي، من خلال تسهيل الإجراءات، وتقديم الضمانات، وتهيئة البيئة القانونية والبنيوية للمستثمرين. وقد ظهرت مراراً إشارات رسمية تؤكد أن أبواب العراق مفتوحة، لا لتدفّق الأموال فقط، بل لتدفّق الخبرات والمشاريع والاستراتيجيات. ففي أكثر من مناسبة، أُعلن الاستعداد الكامل لتقديم كل أشكال الدعم والإسناد للمصارف الراغبة في العمل في العراق، بهدف تعزيز النشاط المصرفي كرافعة تنموية، لا كأداة مالية محضة.

 

ما يميّز اللحظة العراقية الحالية هو أنها تتكئ على مزيج نادر: إرادة سياسية واضحة، وإشارات اقتصادية مشجعة، وواقع أمني لا يُقارَن بما سبق، إلى جانب عطش شعبي ومؤسساتي إلى البناء لا الهدم، وإلى الشراكة لا الانغلاق. وهذا ما يجعل من حضور المؤسسات المصرفية العربية والأجنبية اليوم في العراق، ظاهرة ليست عابرة أو رمزية، بل تحمل في طياتها بذور تحوّل حقيقي قد يغيّر وجه الاقتصاد العراقي لعقود قادمة.

 

المصارف لا تعود إلا حين تشمّ رائحة الأمان. وهي لا تفتح فروعها إلا حين تلمح في الأفق ملامح استقرار سياسي ونضوج اقتصادي. ولعل ما يحدث اليوم في بغداد من حراك مصرفي عربي وأجنبي، ليس سوى مقدمة لفصل جديد من فصول النهوض الوطني، حيث يتحوّل الاقتصاد من حالة الترقب إلى مسار البناء، ومن انتظار الفرص إلى صناعتها. إنها عودة الثقة، لا بالمصارف فقط، بل بالعراق نفسه.

المشـاهدات 20   تاريخ الإضافـة 15/04/2025   رقم المحتوى 61697
أضف تقييـم