أغلب الأفلام الكوميدية للنجم المصري عادل إمام , لا تقف عند منصة الإضحاك من أجل الإضحاك فقط , بل هي تحملُ أهدافاً وشفراتٍ مهمة مستنبطة من عمق حياتنا , والغرائبيّة التي نعيشها , بوصفها كوميديا سوداء , لأنها تنهل من مجتمعنا مفارقاتها الصادمة للمشاهد حين يشاهدها على الشاشة , ناسيا أو متناسيا إنه يعيش في صلبها , وإنها مأخوذة منه , لكنها تبدو عابرة في يومياته ولا يلتفت إليها , لذلك حين ينغز بها , يتذكّر أوجاعه , فيضحك لحظة , ثم يحزن ساعاتٍ وهو يتأمل ما رصدته السينما من طرائف مؤلمة يعيشها الناس ويتعاملون بها , لكنها تمرّ عليهم مروراً عابراً .

         ولعل فيلم الهلفوت , وهو من إنتاج عام 1985 و من بطولة عادل إمام وسعيد صالح وإلهام شاهين وحسين الشربيني وصلاح قابيل وقد كتب النص السينمائي للفيلم وحيد حامد وأخرجه سمير سيف , تحكي قصة الفيلم عن  الحمال "عرفه" الذي يعاني  من الحرمان الجنسى، ثم يتزوج من الأرملة سيئة السمعة "وردة"  وتقل كفاءته في العمل بسبب كثرة النوم مع امرأته، ثم يضطر  "عرفة" للإدعاء بأنه "عسران" الذي يعيش حياته قاتلا مأجورا,  ويحصل " عرفة "  على مبلغ كبير كمقدم لقتل أحد الأشخاص ، ثم يتم اكتشاف  الخدعة وتنشب معركة بين "عرفة وعسران" ، يلقى عسران مصرعه. لكن التقرير الطبى يؤكد أنه مات بالسكتة القلبية. ثم يطلب من عرفة إتمام الجريمة والحصول على أجرته كاملة ولكن عرفة يرفض، ليواجه مصيراً معقّداً ينتج عنه قتل زوجته" وردة" وصديقه الحميم "دسوقي" ليتحوّل هو الآخر من شخص منبوذ , هلفوت, إلى قاتل محترف .

         الفيلم يحمل إشارات عامة في طبيعة الحديث , وإشارات خاصة في تفاصيل الحدث , والحوار المبني على فلسفة مستنبطة من مرارة التجربة , ولعل من أهم الإشارات الخاصة , تلك المصادفة التي تجعل " الهلفوت" يكتشف حقيقة " عسران" القاتل الذي يهابه الجميع , ففي زيارة من عرفة لعسران , يطلب منه الأخير مساعدته في خلع ملابسه , وبالتالي يشاهد عرفة هزالة عضلات عسران واضطراره لارتداء حزام خاص بالظهر , وهذه المؤشرات تجعله يكتشف الكذبة التي يهابها الناس , وبالتالي يتشجع عليه ويبدأ بتغيير تعامله معه , حدّ أن يأخذ دوره ولا يحسب للأمر الحساب الذي يوجد في أي شخص غيره في المنطقة , وفي هذه اللمحة التي تبدو بسيطة , الكثير من المعطيات والدلالات على الوهم في تصديق قوى , هي في حقيقتها لاشيء , وهناك إشارات عديدة أخرى يحملها مسار الفيلم , ليفصح لنا عن أفكار , نعدّها مسلمات في حياتنا , لكنها في الواقع تحتمل الحوار والجدل وربما تغييرها , ومن الحوارات الطريفة الملفتة للنظر حقا , والتي لا يمكن نسيانها أو تجاهلها , هو الحوار الذي يدور بين" عرفة" الذي يدخل في بيت يضج بحفلة مشبوهة , ليقدم الخدمة للحاضرين , ثم يطرد خارج البيت بعد أن تأتي الشرطة , فيسأله شرطيّ وهو مستغرب لوجود المسكين " عرفة " في هذه الأجواء : ما الذي يدور في داخل البيت , فيجيبه "عرفة" إجابة صادمة عجيبة غريبة موحية دالة وهي: ان الذي يحدث داخل البيت المثير للجدل , هو ذاته الذي يحدث خارج البيت !!! فالجميع يتعامل مع خرافات وأوهام وخدع وممارسات للرذيلة والخطأ .

         إن فيلم" الهلفوت" الذي أعادت عرضه قناة العراقية الفضائية مؤخرا, هو فيلم كوميدي هادف , ينتقد ويناقش ظواهر مجتمعيّة وإنسانية مهمة , ويقدّم معطيات فكريّة لا يمكن تجاهل رموزها , ليكون حقا هذا الفيلم أنموذجا للكوميديا الرصينة الهادفة .