الأربعاء 2025/6/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
نيوز بار
نظرية حرية التعبير المطلقة: صياغة منهجية
نظرية حرية التعبير المطلقة: صياغة منهجية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علي الشرع
النـص :

 

 

 

حرية التعبير المطلقة هي رؤية قمت باستنباطها من احد المصادر الأساسية للتشريع الاسلامي وهو القرآن والاستدلال عليها من خلال تطبيقات الائمة اهل البيت عليهم السلام لتكون نواة لتشريع قانون حرية التعبير في العراق. وقد كنت قد عرضتها ضمن مقال تحت عنوان (حرية التعبير الناقصة في العراق) المنشور في احدى الصحف المحلية في يوم الخميس، 12-6-2025. لكن العرض لتلك النظرية في ذلك المقال ليم يكن منهجياً Informal، بحيث تتقدمه الافتراضات ثم تستنبط منه النظرية بل كان مصمماً ليتناسب مع اسلوب الصحف، وذكرت هناك الظروف التي دعت الى طرح هذه الرؤية معززة بأمثلة، ومع ذلك يظل هذا المقال وذاك متكاملان. اما هنا فسوف اقوم بصياغة النظرية بشكل منهجي Formal   حتى نتعرف على كيفية بناءها من الفرضيات حتى يسهل نقاشها. وأكرر ما قلته في المقالة السابقة من ان مكان النظريات ليست صفحات الجرائد بل مكانها الصحيح اما ان تنشر في مجلة قانونية متخصصة او كتاب او تعرض في مؤتمر عن القانون، ولكن هدفي هو ايصالها بسرعة الى الجهات المهتمة بحرية التعبير ومنها البرلمان حتى يتم مناقشتها وإقرارها اذا رأى انها مفيدة ليكون لنا نص جاهز يميز بين المناطق التي تقع ضمن حرية التعبير عن غيرها حتى نتخلص من الضغط الذي تمارسه السلطات الحكومية والجهات الدولية بسبب غياب هذا النص عن المساحات المسموح قانوناً بممارسة النشاطات فيها التي تقع ضمن ما يسمى بحرية التعبير عن غيرها، وأيضا حتى نفتح المجال ونعطي الفرصة كي يناقشها المثقفون الذين سيرحبون بها كثيرا كونها سترفع قيود النشر  عنهم تماماً. ان هذه النظرية تضع الخطوط العريضة التي على أساسها يمكن ان تسن قانون او قوانين حرية التعبير، وهذا هو سبب طرحها.وكما نعلم فأن النظرية عادة تبنى على الفرضيات، ولهذا سنضع الفرضيات أولاً ثم نشتق منها النظرية التي تم عرضها سابقاً في المقال المنشور.

 

الفرضيات

 

الفرضية الأولى: ان مفهوم حرية التعبير مستنبط من الشريعة الإسلامية. ولهذا لا يطلق هذا المفهوم من وجهة نظر الإسلام على كل نشاط او ممارسة يعبر فيها الانسان عن رأيه علناً بل يقتصر على التعبير الذي له أهدافه الإيجابية على الفرد والمجتمع.

 

الفرضية الثانية: ان المقصود بحرية التعبير في الإسلام هي حرية التعبير المطلقة التي لا يوجد عليها قيود، وهي تمثل حرية التعبير الحقيقية.

 

الفرضية الثالثة: اذا ما وضعت على هذه الحرية قيوداً او خطت لها حدود، فيفتقد التعبير اهم عنصر فيها وهو الحرية ( أي تسلب منه الحرية)، فلا تسمى اذاً بحرية التعبير بل أنشطة او فعاليات إبداعية يتم تقييدها او وضع الحدود لها بحيث لا تصطدم بثوابت الدين او تحرف الانسان عن الفطرة. لكننا للتسهيل والاختصار سنطلق على هذا النوع من التعبير بحرية التعبير المقيدة او المحدودة.

 

الفرضية الرابعة: ان النشاطات ضمن حرية التعبير المطلقة لا يحاسب عليها القانون. بينما يجري محاسبة كل شخص يمارس نشاطات تنتهك القيود او الحدود الموضوعة ضمن حرية التعبير المقيدة او المحدودة.

 

الفرضية الخامسة: ان حرية التعبير المطلقة في الاسلام تشير الى امرين فقط:

 

الامر الأول: رفع الظلم عن الفرد، الامر الثاني: الإصلاح في المجتمع.ومن خلال هذين الامرين تحدد الجهات المستهدفة. وكلا الامرين ايجابيان، ويصبان في صالح المجتمع.

 

الفرضية السادسة: ان الحدود او القيود في الممارسات التي تقع تحت حرية التعبير (او حرية التعبير المقيدة) تشمل امرين: الحد او القيد الأول هو عدم احداث فتنة، والحد او القيد الثاني: ان لا تقود الى إشاعة الفاحشة في المجتمع. وكلا القيدين ايجابيان، ويصبان في صالح المجتمع ايضاً.اعتماداً على الافتراضات السابقة سوف نشتق نظرية الحرية المطلقة التي تمثل جوهر نظرية التعبير في الإسلام.

 

النظرية:

 

بما ان الغاية من حرية التعبير في الاسلام هي حماية المجتمع والمحافظة على استقراره حتى لا ينحرف عن أهدافه الاساسية،  فأن حرية التعبير في الإسلام- حسب الافتراضات السابقة - تقتصر على امرين اثنين هما: الامر الأول هو الجهر بالمظلومية، وهو مستمد من قوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم)، اما الامر الثاني فهو الإصلاح وهو مستمد من قوله تعالى (كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، وما عداها لا يقع ضمن حرية التعبير حسب الرؤية القرآنية. فالمظلوم يحق له ان يبين مظلوميته والجور الذي وقع عليه بالدفاع عن حقه بشتى الوسائل التعبيرية من دون التعدي على الاخرين (غير الظالمين له) او الممتلكات العامة او الخاصة. وقيد عدم التعدي هذا هو ليس مثل قيد (حريتك تنتهي او تقف عن حدود حرية الاخرين)، لأن المظلوم يريد أن يعبر عن مظلوميته وينقذ حقه بشتى الطرق، ولا علاقة لذلك بالتعدي على الاخرين حيث سيخرج موضوع المطالبة من رفع الظلم الى قضية جنائية، ولكن في حال حدوثه لا يسقط حقه بالمطالبة بحقه، فهذا وضعان مختلفان كل واحد له حسابه. اما الإصلاح في المجتمع فيقع تحت عنوان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد طبق ذلك الامام الحسين عليه السلام بدقة حيث انه- عليه السلام- استعمل كل وسائل التعبير من حشد الناس فرادى وجماعات والخطابة فيهم وارسال الكتب الى الامصار لتبيان فساد يزيد والسلطة الاموية الحاكمة من دون ان يبدأ الفاسدين بقتال حتى يبادروا هم. فقد كان الحسين عليه السلام يهاجم يزيد الحاكم الاموي لفظياً ويطعن بشخصيته واداءه السياسي والاداري في نفس الوقت. وقد وصف يزيد بشكل علني بأنه (فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق والفجور) وقال ايضاً ان (هؤلاء- بني امية- قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله). وحتى لا يتحول موقفه- عليه السلام- هذا الى قضية جنائية في حال لو هاجم جيش يزيد ابتداءً فقد اعلن عن عدم رضاه او كرهه ان يبدأ جيش يزيد الظالم بقتال، لذلك تراه -عليه السلام- اقتطع وقتاً طويلاً في ساحة المعركة من اجل عرض قضية الإصلاح، ولم يبدأ القتال الا بعد ان اطلقوا سهامهم عليه حتى يبقى نطاق المطالبة ضمن حدود التعبير اللفظي، فانتقل لمرحلة أخرى غير التعبير باللسان، وهو التعبير بالسيف. وانتقاد الحسين عليه السلام من أنه بنهضته هذه قد شق عصا المسلمين وخلق فتنة في الإسلام والمجتمع الإسلامي لم يفهم حرية التعبير في الاسلام؛ لأن الحسين عليه السلام استخدم وطبق حرية التعبير المطلقة التي شرعها الإسلام من دون التعدي على احد. لكن ينبغي التنبيه الى ان ما قام به الحسين عليه السلام كان قد حدث في ظل نظام ديكتاتوري، اما في ظل نظام ديمقراطي فتبقى حرية التعبير منحصرة ضمن وسائل مشروعة وهي استخدام وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمظاهرات من دون اصطدام مع القوة الأمنية، ولا يحق للحكومة والقوة والأمنية ان تمنع من القيام بالتعبير من هذا النوع ضمن اطار الإصلاح، او تقييد او منع النشر والتظاهر والظهور الإعلامي للمطالبين بالإصلاح، وعلى القضاء ان لا ينظر في أية قضية ترد من الحكومة او أصحاب المناصب في الدولة بهذا الخصوص. اما اذا بادرت القوة الأمنية بمنع التظاهر او اعتقال من يريد التعبير عن انتقاداته للسلطات وأصحاب المناصب، واستلزم منع القوة الأمنية بالقوة، فهذا من حق الشخص ان يقف بوجهها لممارسة حقه ضمن نطاق حرية التعبير المطلقة التي يكفلها القانون.اما الاشتباه والخلط في جوهر حرية التعبير الذي يجلب على العراق الانتقادات بانتهاكه لحقوق الانسان وخنق الحريات انما ينتمي الى حرية التعبير المقيدة او المحدودة وهي كما ذكرنا في الفرضيات ليست من حرية التعبير الحقيقية. وقد كان القرآن الكريم واضحاً من هذه الناحية حيث وضع ما اطلقنا عليه تجوزاً بحرية التعبير المقيدة تحت عنوانين مختلفين ومميزين يمثلان حدوداً او قيوداً على حرية التعبير. اما الحد او القيد الأول فهو احداث فتنة في المجتمع كما في قوله تعالى (ان الفتنة اشد من القتل)، واما الحد او القيد الثاني فهو إشاعة الفاحشة كما في قوله تعالى (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة). والتجاوز وعبور هذه القيود او الحدود من خلال ممارسة أي نشاط او فعالية مكتوبة او غير مكتوبة فليست من حرية التعبير -التي اقرها الإسلام- في شيء، ولهذا سيتعامل معها حسب القانون والتشريعات؛ لأنها لا تخدم المجتمع بل تدمره، ومنعها لا يعني قتل المواهب والابداع او أنه خنق للحريات كما قد يصوره البعض؛ لأن فعاليات تقود الى نتائج مدمرة وسلبية على المجتمع ليست من حرية التعبير في شيء. وأفضل مصداق على هذه العناوين في زماننا هو ما يعرف بـ(المحتوى الهابط) واشباهه، وتشمل أيضا العقائد الفاسدة والتبشير بها التي تدعو الى الانحراف عن الفطرة السليمة كالدعوة الى الالحاد ومنهج التشدد الذي يقود الى قتل او الاقتتال بين فئات المجتمع.

 

النتيجة: ان نظرية حرية التعبير في الإسلام تمثلها فقط حرية التعبير المطلقة كونها مفيدة للمجتمع، اما حرية التعبير المقيدة فهي فاقدة الى الاطلاق الذي يمثل جوهر الحرية. والقانون الخاص بحرية التعبير يجب ان يبنى على حرية التعبير المطلقة لا المقيدة.

 

المشـاهدات 51   تاريخ الإضافـة 18/06/2025   رقم المحتوى 64013
أضف تقييـم