الثلاثاء 2025/7/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي ثورة المعنى والمضمون
الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي ثورة المعنى والمضمون
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حيدر كاطع المرشدي
النـص :

 

 

 

ناصريه قلعة سكر

 

في السنوات العشر الأخيرة لم يشهد العالم طفرة تقنية بقدر ما شهده في مجال الذكاء الاصطناعي وقد تسلل هذا الكائن الرقمي الذكي إلى مختلف مفاصل الحياة وكان من أبرزها الإعلام الرقمي الذي دخل في حالة تحول عميق لم يعرف لها مثيلاً منذ اختراع الطباعة بات الإعلام الرقمي اليوم لا ينفصل عن الذكاء الاصطناعي بل إن العلاقة بينهما لم تعد علاقة تطويع أداة وإنما علاقة وجود وشكل محتوى وخطاب جمهور وفكر

الذكاء الاصطناعي العقل الخفي للإعلام الحديث

لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفًا في غرف الأخبار ولا أداة يمكن الاستغناء عنها في مؤسسات الإعلام الرقمية الكبرى بل أصبح العمود الفقري الذي تستند إليه صناعة المحتوى خاصة في عصر تتزاحم فيه المعلومات وتتسارع فيه الأخبار فنحن نعيش في زمن اللحظة الحاسمة حيث لا قيمة للخبر إن لم يكن سريعًا دقيقًا وذا صلة بالجمهور هنا يظهر الذكاء الاصطناعي كعقل خفي يعمل خلف الكواليس يرشح المحتوى يحلّل البيانات يكتب ويصحح بل وأحيانًا يقدّم البرامج الصوتية عبر تقنيات Deepfake Text-to-Speech

 

الصحفي الآلي هل نحن بحاجة إلى الإنسان؟

باتت بعض المؤسسات الكبرى مثل رويترز بلومبيرغ تعتمد على روبوتات تحريرية تنتج تقارير اقتصادية ورياضية بناءً على البيانات خلال ثوانٍ قليلة ورغم أن هذه الظاهرة قد تبدو مثيرة للقلق لكنها لا تعني بالضرورة نهاية دور الإنسان الصحفي بل تشير إلى بداية شكل جديد من الصحافة حيث يصبح الصحفي أكثر قدرة على التفكير التحليلي والبحث في العمق بينما تتولى الآلة المهام التكرارية والسطحية

إن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه  حتى الآن أن يفهم المعاني المركبة للسياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية إنه يكتب ما يتعلّمه ويقترح ما تم تدريبه عليه  بينما يبقى الإنسان هو الوحيد القادر على طرح الأسئلة الوجودية وصناعة القيم وتحديد الأولويات

الإعلام التفاعلي جمهور ذكي يحتاج إلى خطاب ذكي

لقد غيّر الذكاء الاصطناعي شكل العلاقة بين الإعلامي والجمهور فلم يعد المتلقي سلبيًا بل بات شريكًا في صياغة الخبر وفي الرد عليه ومناقشته والتفاعل معه هذا التفاعل لم يكن ممكنًا بهذا العمق دون أدوات الذكاء الاصطناعي التي تمكّن من فهم أنماط التفاعل وتحديد ساعات الذروة وقياس المشاعر وتوقّع ردود الأفعال

فاليوم يمكن لمؤسسة إعلامية أن توظف نموذجًا ذكائيًا لتحليل محتوى التعليقات على منصات التواصل وتحديد اتجاه الرأي العام خلال دقائق كما يمكن إنتاج محتوى شخصي مخصص لكل مستخدم بناءً على اهتماماته وسلوكه الرقمي وهذا يعني أننا انتقلنا من إعلام جماهيري تقليدي إلى إعلام ذكي، تفاعلي وذاتي التوجيه

التحديات الأخلاقية الذكاء لا يعني دائمًا الحقيقة

مع هذه القدرات الخارقة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي تبرز مجموعة من الأسئلة الأخلاقية الحساسة من المسؤول عن الخطأ حين يكتب الذكاء الاصطناعي خبرًا كاذبًا أو منحازًا ما هو الحد الفاصل بين التلاعب والتوجيه ومتى يصبح الإعلام أداة لتزييف الوعي تحت غطاء التقنية

 

إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه الإعلام الرقمي المعتمد على الذكاء الاصطناعي هو الانجرار وراء الأتمتة غير الواعية أي ترك الخوارزميات تُقرر عنا وتُخبرنا بما يجب أن نراه ونصدقه فالذكاء الاصطناعي لا يحمل ضميرًا ولا يميز بين الحقيقة واللا حقيقة إلا بقدر ما نُعلّمه نحن البشر ولهذا فإن مسؤولية وضع معايير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات والأفراد

من الإعلام التقليدي إلى الذكاء التوليدي

اليوم نحن أمام جيل جديد من الذكاء الاصطناعي يُعرف بالذكاء التوليدي وهو القادر على إنتاج نصوص وصور وفيديوهات بكفاءة شبه ب هذه التقنية ستغير من طبيعة العمل الإعلامي على نحو غير مسبوق إذ يمكن من خلالها إنشاء تقارير صوتية بواسطة أفاتار رقمي يشبه المذيع الحقيقي أو إنتاج مقاطع فيديو إخبارية لا يميزها المشاهد عن الواقع لامما يطرح أسئلة وجودية حول مصدر الحقيق

ورغم أن هذا التطور مبهر إلا أنه يفرض علينا أن نعيد تعريف مفاهيم مثل المصداقية لتحقق المساءلة فالمستقبل لا يحتاج فقط إلى إعلاميين مبدعين بل إلى إعلاميين أذكياء قادرين على فهم الخوارزميات وتوجيهها بدل أن يكونوا مجرد أدوات بيدها

الإعلام المحلي والذكاء الاصطناعي الفرصة الممكنة

قد يظن البعض أن هذه التحولات تخص الإعلام العالمي أو المؤسسات الكبرى فقط لكن الحقيقة أن الإعلام المحلي هو الأكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي إذا ما أُحسن توظيفه إذ يمكن للإعلاميين المحليين حتى في المدن الصغيرة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المجانية لتحرير المحتوى تصميم الغرافيك الترجمة الفورية تحليل الاتجاهات وحتى أتمتة النشر على وسائل التواصل

الأمر لا يحتاج إلى استوديوهات ضخمة بل إلى عقل منفتح وإرادة في التعلم ورؤية تؤمن بأن التقنية ليست عدوًا بل أداة تُستخدم إما للهيمنة أو للتحرر حسب من يوجهها

الخلاصة الإعلام الذكي لا يعني فقط ذكاء الآلة... بل ذكاء الإنسان أيضًا

 

في النهاية يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لم يُلغ دور الإعلامي بل رفع من سقف التحدي وفتح أبوابًا جديدة للإبداع وإننا كإعلاميين نعيش اليوم لحظة فارقة لا تتعلق فقط بتغير الأدوات بل بتغير المعنى والرسالة نحن أمام جيل جديد من الإعلام يقوم على التفاعل والسرعة والدقة والشفافية وعلينا أن نكون على قدر هذا التحدي

إن السؤال اليوم ليس:د هل سيحل الذكاء الاصطناعي مكان الصحفي؟ بل هل سيبقى الصحفي إن لم يتعلم كيف يعمل مع الذكاء الاصطناعي

المشـاهدات 365   تاريخ الإضافـة 21/06/2025   رقم المحتوى 64075
أضف تقييـم