
![]() |
الطقوس العاشورائية إحياء للذاكرة الجمعية لمواجهة الظلم واستعادة العدل |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
منذ أن وطأت أقدام الإنسان الأولى دروب الحياة، لم تكن ديمومة حياته ووجوده متعلقة بالقوة وحدها، بل بالمعنى. وهذا المعنى لم يكن يتجلى في الكلمة وحدها، بل في الفعل المكرر الذي تحول بمرور الزمن إلى رمز، وممارسة وطقس. لقد كانت الطقوس بمثابة الذاكرة الحيّة للشعوب ،تختزن فيها تاريخها العاطفي والروحي، وتنقله من جيل إلى آخر، بوصفه تجسيدًا لما هو أسمى من اليومي والمؤقت وكمحاولة دائمة لتجديد الحياة من خلال رموز ونماذج تُشكّل معادلًا موضوعيا للواقع بل تقدّم مثالا يُحتذى به في مواجهة التحديات والازمات ففي لحظات الخوف أو الفقد أو الفرح الجماعي، لا يلجأ الإنسان إلى الصمت، بل إلى الطقس لانه الوسيلة التي يصوغ بها المجتمع تجربة جماعية يعيد من خلالها ترتيب الفوضى، والتشبث بالأمل واستحضار رموز الخلاص. لذلك ارتبطت الطقوس منذ القدم بمفاهيم التجدد والانبعاث، بدءًا من طقوس الزراعة في مصر وبلاد الرافدين، حيث كان الاحتفال بدورة الخصوبة والحصاد يرمز لعودة الحياة بعد الموت، مرورًا بـالطقوس الجنائزية الفرعونية التي لم تكن مجرد وداع للموتى، بل بوابة للخلود، وصولًا إلى طقوس الأضاحي والقرابين في الديانات القديمة كوسيلة لضمان العدل والتوازن بين الإنسان والكون ومن بين أبرز الطقوس الدينية التي لا تزال حية وبقوة في الوجدان الشعبي تبرز طقوس عاشوراء في العراق بوصفها نموذجا حيًا لطقس تجاوز البعد الديني الصرف، ليغدو فعلًا ثقافيا، سياسيا، واجتماعيا في آن واحد.إن احياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين في كربلاء تحوّل في الوجدان العراقي إلى ما هو أكثر من مجرد شعائر دينية. إنها أسطورة سردية في الـمقاومة تُستعاد سنويا ليس فقط لاستذكار مظلومية تاريخية بل لتجديد الوعي الجمعي بمواجهة الظلم والانحراف والفساد. في مواكب العزاء، والمسيرات، والمسرحيات التمثيلية (التشابيه) تنبعث قضية كربلاء كنداء دائم ومتجدد -هيهات منّا الذلّة وفي كل عام و لأربعين يوما تتحول المدن العراقية إلى فضاء عام للحداد الجماعي حيث تستعاد ذكرى كربلاء لا بوصفها حادثة تاريخية فقط، بل كرمز دائم لمواجهة الظلم والانحراف وكمثال يحتذى به وقت الأزمات. لقد تطورت هذه الطقوس في الشكل والوسائل لكنها حافظت على جوهرها القيمي، كأنها تقول إن الطقس إذا ارتبط بالمعنى العميق لا يموت، بل يتجدد ويقاوم ومع تصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد أخذت الطقوس العاشورائية طابعا نقديا متجددا حيث باتت منبرا شعبيا للاحتجاج السلمي والمطالبة بالإصلاح وربط الماضي بالحاضر من خلال رمزية الامام الحسين (ع) بوصفه رمزًا دائمًا لمواجهة الظلم والتحدي والعدل والكرامة. |
المشـاهدات 29 تاريخ الإضافـة 05/07/2025 رقم المحتوى 64551 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |