
![]() |
الفاسدون هم أكثر الناس حديثاً عن النزاهة والأمانة والأخلاق والوطنية!! |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
في حلقة من حلقات مسلسل مرايا للفنان السوري ياسر العظمة كان هناك مدير عام لشركة من شركات القطاع العام وكان فاسداً وقد سرق الملايين من أموال الشركة في مناقصات وعمولات فتتسبب بخسائر فادحة للشركة وفي مرة افتقد بخاشة (ثاقبة) الورق من على مكتبه فاستدعى مسؤول أمن الشركة واستنفر الجميع للبحث عنها فتم تفتيش جميع الموظفين وعندما لم يستطيع مسؤول أمن الشركة ومنتسبي الأمن العثور عليها غضب وبدأ بالكلام بمنطق الحرص على المال العام وذم الاستهتار بالمال العام من قبل الموظفين وعدم الحرص عليه وتوعد بمحاسبة الفساد وكل من يعتدي على المال العام مهما كانت قيمته فمن تدني نفسه على بخاشة الورق ممكن يعمل أي شيء ووضع مسؤول أمن الشركة بإجازة بدون راتب مبرراً فعله إذا كان لا يستطيع كشف سرقة بخاشة ورق كيف يمكن له كشف السرقات الكبرى في الشركة ودعا الجهات الأمنية في الدولة للبحث عن البخاشة فجاء ضابط الأمن إلى الشركة وجلب كلب بوليسي لكشف السرقات وجمع الموظفين فبدأ الكلب يشم الموظفين واحداً وأحداً فما كان منه -أي الكلب- إلا أن ترك الجميع وبدا ينبح على المدير العام دون غيره من الموظفين إشارة على أنه -أي المدير هو السارق- وعندما استغرب المدير العام واحتج على ذلك أخبره ضابط الأمن أن هناك خطأ حاصل من قبل جماعته فبدلا من أن يبعثوا الكلب المختص بالسرقات الصغيرة بعثوا الكلب المختص بكمش السرقات الكبيرة والحرامية الكبار!! وهذه القصة فيها دلالة وعبرة على أن أكثر من يتحدثون بالأخلاق والنزاهة والأمانة والوطنية والحرص على المال العام من المسؤولين هم في حقيقتهم فاسدين وربما يحاولوا بحديثهم هذا أن يخدعوا أو يضحكوا على عقول الناس البسطاء ظناً منهم أن الناس تنطلي عليهم تلك الادعاءات والشعارات الكاذبة والمزيفة، فالناس بفضل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي صارت تعرف كل شيء ولا تخفى عليهم خافية، فهم يعرفون المفسد من المصلح، والنزيه من الحرامي، والأمين من الخائن، لكن البعض من الناس يساير هؤلاء الفاسدين ويواليهم ويقف إلى جانبهم ويشيد بهم ويمدحهم ويثني عليهم لأجل مصلحته كونه مستفيد منهم وإلا فهو في قرارة نفسه يعلم حقيقة هؤلاء لكن لا يعبر عن تلك الحقيقة صراحةً أو ضمناً، لأنه مستفيد ومنتفع من هؤلاء، وهناك مثل روسي يقول: "يصعب عليك قول الحق إذا كنت مستفيداً من الباطل"، فالمستفيد من الباطل لا يمكن أن يقول أو ينطق بالحق. إذن تجد في الغالب أن أكثر من يتكلم عن النزاهة والأمانة والأخلاق والوطنية والحرص على المال العام من المسؤولين هم الأكثر فساداً وسرقةً ونهباً للمال العام؛ لأن النزيه والأمين والصادق والوطني الحقيقي لا يتكلم كثيراً ولا يتحدث عن نفسه، وإنما عمله يتكلم عنه، فالنزاهة والأمانة والإخلاص والحرص ستظهر فلا تحتاج للكلام ولا لحديث المرء عن نفسه وإنما ستظهرها الأفعال لا محالة، والتاريخ لم يترك حتى أدق التفاصيل على نزاهة وأمانة وحرص الكثير من المسؤولين على مر التاريخ، ولنا في القصص القرآني عظة وعبرة، فقصة نبي الله موسى عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة واتم التسليم مع ابنتي شعيب عليه السلام خير شاهد على ذلك فعندما توجه موسى عليه السلام خوفاً من بطش فرعون وجنوده بعد أن قتل رجلاً من قوم فرعون نصرة منه لشخص من بني قومه بني اسرائيل توجه إلى مدين فوجد جماعة من الناس يسقون مواشيهم ووجد من دونهما امرأتين تطردان اغنامهما خوفاً من مزاحمة السقاة الأقوياء، وتجنباً لمزاحمة الرجال، فسقى لهما مواشيهما من بئر أخرى قريبة ورفع صخرة لا يستطيع حملها إلا مجموعة من الرجال، ثم ذهبت المرأتان بمواشيهما وانصرف موسى عليه السلام إلى ظل الشجرة ليستظل بها فجاءت أحدهما تدعوه ليكافئه أبوها على ما صنعه معهما من السقاية، فلما مضى معها طلبت من أبيها أن يستأجره لرعي الغنم معللة طلبها هذا بقولها: إن خير من استأجرت القوي الأمين, موضحة له سبب معرفتها لقوة موسى عليه السلام وأمانته، مبيّنة أن قوته هذه تمثلت برفعه لصخرة كبيرة لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، أما أمانته فقد تمثلت بغضه لبصره عما حرَّم الله، فعندما دعته إلى الحضور معها إلى منزل أبيها كانت تمشي أمامه فطلب منها أن تمشي خلفه فإذا اختلف عليه الطريق طلب منها أن تحذف له بحصاة حتى يعلم بها الطريق ليهتدي إليه وهذا كله حتى لا تقع عينه على شيء من مفاتنها في حالة مشيها أمامه!! وهذا قمة الأمانة والأخلاق والأدب والعفة والنزاهة وترك المرء كل ما لا يحل له قولاً وفعلاً ونظراً، إذن النزيه والأمين والصادق والمخلص لا يتحدث عن نفسه ولا يثرر كثيراً، ولا يدعي النزاهة والأمانة والأخلاق والوطنية وإنما يترك عمله يتحدث عنه، ويدع سيرته تنطق عن أفعاله، وتعبر عن حاله، والعرب قديماً قالت: "اعرف المرء من فعله لا من كلامه، ومن عينه لا من لسانه"، وقال الشاعر:
إن غرَّك القول فانظر فعل قائله فالفعل يجلو الذي بالزيف يستتر |
المشـاهدات 83 تاريخ الإضافـة 03/08/2025 رقم المحتوى 65344 |