الأحد 2025/8/10 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 45.95 مئويـة
نيوز بار
قصة رغيف بلون الدم
قصة رغيف بلون الدم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسن العكيلي
النـص :

كان هجوم الطائرات المعادية عنيفا للغاية فقد تاوت بنايات عديدة على ساكنيها واختلط لحم اجساد الاطفال والشيوخ بالرمل والطابوق المهشم والحديد المتشظي .الامر الذي اجبرنا على الهرب من تلك المحرقة التي ابتلعت الاخضر واليابس. كان المنظر مأساويا وبشعا بشاعة اؤلك الاوباش الذين قرروا تدمير كل شي بعد ان تركنا كل شي خلفنا ..كان الدخان الكثيف يغطي اجواء المكان واصبح الشارع المطفأ الاضواء اسودا قاتما ان مددت يدك فلن ترى اصابعك.ارجلنا المرتعشة من هول الصدمة والرعب الاسطوري الناتج من ازيز الطائرات المرعبة وانفلاق القنابل على اهدافها المكتظة بالابرياء بدت خاوية ضعيفة لاتقوى على حمل اجسادنا التي انهكها الجوع والعطش .كان يوما اشبه بيوم القيامة فقد خرج الاحياء من هول المجزرة الى المجهول الى النهاية التي حدد خاتمتها اؤلئك الذين اتفقوا على قتل كل ماهو حي كانت لحظات دامية اجتمع فيها الخوف والقلق والمجهول وصور الموت والاجزاء المقطعة افترشت اجزاءا واسعة من جسد المدينة المنكوبة التي ارتدت ثوب الدماء القانية وراحت تتنفس رائحة البارود. كان منظر الاطفال حزينا ومؤلما وهم يفترشون الارض بلا فراش ولا دثار عيونهم البريئة تتوسل بالغيوم السود التي حولت الاجواء الى لوحة قاتمة كالحة اللون ان لاتمطر فالمطر يعني الغرق والمرض والعواصف الشديدة البرودة عندما تنظر الى وجوه الفارين من اتون مجزرة الموت الرهيبة ينتابك شعور مغلف بالخوف والارتجاف ورائحة اجساد الشهداء لاتفارق ايدينا وملابسنا .حين ابتعدنا عن حينا الذي تحول الى اطلال سارعنا ان نبحث عن مكان نستظل به حتى لو كانت مساحته بقدر مساحة عش هزيل تناهشته العواصف والمطر الغزير وبعد ساعات من البحث المضني عثرنا على ضالتنا المنشودة وكما يقول المثل (اللي شاف الموت يرضى بالصخونة) رضينا ان نسكن في غرفة مهجورة سقفها من الجينكو وشباكها الوحيد من دون زجاج حاولنا ان نعالج الامر ولكن بشق الانفس لكن ارضية الغرفة الرطبة ستمنعنا من النوم وتزيد من شحنةالقلق داخل اجسادنا المنهكة عندما اشرقت شمس الصباح خرجنا نبحث عن احبتنا الناجين من محرقة القصف الهمجي عثرنا على عدد منهم احياء بينما بقي الاخرون تحت الانقاض او تخلصوا باعجوبة من فك الموت المفترس فتلاشوا بين ساحات المدينة او شواطئها كعصافير فزت مرعوبة لتختفي بين دهاليز شرفات المدينة المدمرة والشجر المحترق الاغصان مر النهار سريعا كرصاصة انطلقت من مكان مرتفع نحو الاسفل فسر الجاذبية انها تسحب كل الاشياء بقوة نحو الارض- ما اشرس وحش الجوع حين يهاجم بطون الاطفال وما احرج الاباء حين لايجدون مايعطونه الى اطفالهم تمنوا في حينها لو كانوا عصافيراو حمائم قادرة على اختراق الاجواء المفتوحة وجلب الطعام لهم حتى لو كان في جوف الوحوش الكاسرة... فأجواء غزة التي حاصرتها النيران والشظايا لم تعد امينة وطرقها المدمرة لم  تعد سالكة بعد ان اصبحت عرضة للقصف  في اية لحضة .لقد فرغت الموائد من الطعام واصبح رغيف الخبز عملة نادرة قلما تجدها في ايدي الاطفال. فتغيرت وجوههم البريئة النظرة سريعا الى وجوه كالحة صفراء ذابلة وراحت تتكشف ظلوعهم للرائي من بين ثيابهم الممزقة وتحولت الاجساد الى هياكل عظمية بعد ان غال فيها خنجر الجوع والعطش والامراض . في تلك الظروف العصيبة تمنى الكثير من الاباء الموت على ان لايعيشوا يوما اخرمتخوما بالذل لكن ايمانهم العالي بعدالة قضيتهم منحهم المزيد من الصبر حتى زوال الغمة عن سماءالمدينة التي لم يتوقف نزيف شرايينها من الدماء . هكذا عاش اهل مدينتنا شهورا مضنية تحملوا فيها جميع انواع العذابات لكنهم لم يغادروا ديارهم ويحققوا احلام اعدائهم بقي الجميع يراوح في مكانه بين الكر والفر وهذه شيمة الشجعان حاول الكثير من رجالات المدينة التي واجهت الموت بكل جدارة اطلاق نداء الاستغاثة بعد اصرار العدو الاجهاز على الجميع وقتلهم جوعا كانت الاستجابات ضعيفة وبسيطة ففي يوم صيفي قائض وبينما كان الاطفال يتباكون  من اثر الجوع سمعنا اصوات طائرات ترج زوايا المدينة ظننا في البداية انها طائرات للعدو تحاول الهبوط لالقاء القبض على عدد من المجاهدين لكننا تفاجئنا بانزال عشرات الاطنان من الدقيق والارز بالمظلات هبت الجموع مسرعة للحصول على شي مما تم انزاله حاولت جمع كل مالدي من قوة للاسراع الى مكان سقوط الحاوية القريب منا – حملت كيس الدقيق على ظهري وكأنه كيس معبأ بالصوف ورحت اركض فوق الصخر المبعثر فوق جنبات الطريق المصبوغ بالدماء كانت سعادة الاطفال بما جلبته لهم سعادة لاتوصف تشبه فرحة العودة الى بيوتنا وتوازي نشوة الانتصار .....

المشـاهدات 153   تاريخ الإضافـة 05/08/2025   رقم المحتوى 65440
أضف تقييـم