الخميس 2025/8/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
نيوز بار
واقعية الحياة المرة وعالم الدستوبيا في ... فانوس دراسة نقدية
واقعية الحياة المرة وعالم الدستوبيا في ... فانوس دراسة نقدية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

  يوسف عبود جويعد

رواية "فانوس" للروائية ميادة سامي، تنقلنا الى عالم من الدستوبيا، بسبب تداخل عدة عناصر رئيسة في تكوين هذا العالم مثل: المكان والبيئة، حيث تدور الاحداث في اهوار ريف جنوبنا، ووسط صراع قبائلي عنيف، كما سنشهد تفاصيل لطبيعة البيئة حيث المياه، والقصب، وبيوت القصب، والليل المظلم الحالك السواد، وتنور  الطين، والخبز الحار، وصوت الرصاص، والخوف، والموت الذي يحوم فوق تلك البيئة، كما نجد أن اللغة السردية المنتقاة كانت السبب الأول في انتقالنا، الى هذا العالم، كونها جاءت منسجمة وحركة السرد، الذي سنشهد ومنذ بدايته، أن سبع فتيات صغيرات يقدن عنوة وبكل قسوة، الى القبيلة الأخرى، (فصلّيات) ومن بينهن (فانوس) تلك الفتات الصغيرة، التي سحبت من حضن أمها وهي تصرخ:

"ركبنا سيارة كيا من الحجم الذي يحتمل أربعة عشر راكباً، ضلوا طريقهم داخل غابة لا سبيل للخروج منها، أربعة عشر نجماً سقط من السماء، اربع عشرة شعلة انطفأت ، جلسنا بعبثية على المقاعد، كنّا سبع فتيات أنا وحسناء الأصغر سناً بينهم، انتزعني والدي من بين يدي أمي التي راحت تبكي وتصرخ وتهدّد بلا جدوى، لم يبق لي سوى فانوس، ألا تخاف الله؟" (ص 6)

وهكذا تنتقل الاحداث الى بطلة الرواية (فانوس) التي تنسحب الى عالم غريب، لا تعرف كنهه، مسلوبة الارادة، بلا سمات، بلا شخصية، مهمشة، بقسوة  كونها فصلية.

 تسير الاحداث بهذا الزخم من الهواجس والتداعيات والعالم الغريب، ونحن نتابع حياة فانوس وسط قبيلة اخرى اذلتها، وتعامل كخادمة أو اشد قسوة، الا أن زوجها الذي اختارته العشيرة لها (أمير)، تعامل  معها بكل حب وحنان، وكان مؤنسها ومنير وحشتها، الا أن ذلك  لم يدم طويلاً، اذ يقتل زوجها، وتعود الى وحدتها، بعد أن زرع في احشائها جنيناً.

تعود (فانوس) الى أهلها، شبه هاربة وخائفة، وهي تفز مذعورة، إذ انها تحس بين لحظة واخرى، يعود رجال القبيلة، لأخذها بقوة.

تنتقل الروائية بتفاصيل حياتها، حيث يجلب اخوتها الثلاث جثثاً هامدة، ويعشق الاب امرأة شريرة وسيئة السمعة فيتزوجها، ليكون ذلك سبباً لتنحيه من منصب الشيخ وطرده.

بالرغم من أن احداث الرواية (بوليفونيا) متعددة الاصوات، الا أننا ما زلنا في الجزء الذي تدير دفته بطلة الرواية (فانوس)، التي تنقل لنا الروائية من خلاله، كيف لفتاة صغيرة، أن تتحمل معاناة الحمل واوجاعه، الذي يفوق طاقتها:

"تحاملت على نفسي ورحت أجر ساقي، انسحب أمامهن، وأنا أتعذب تلاحقني ضحكاتهن الساخرة، حتى خرجت من الدار، أمسكت بمسند السلم الحديدي، ورحت أرتقي درجاته، وأنا أكتم صرخاتي بمنديل حشرته مديحة داخل فمي، لا بد من اخراج هذا الشيء الذي يعلو ويهبط داخل احشائي." (ص 17 )

وتمسك الروائية بزمام إدارة الاحداث لتتعمق في هذا العالم القاسي، الذي يخمد صوت المرأة ويهمش كيانها ووجودها، فهي تعيش كشبح.

حيث استطاعت الروائية أن تجعل الاحداث مكثفة جداً، ورغم صغر الرواية الذي لا يتجاوز عدد صفحاتها ستة وتسعين صفحة، الا أنها واسعة كبيرة بأحداثها، حيث سنتابع كيد النساء اللواتي تعاقبن على (فانوس) من أجل ان يزدن حياتها قسوة وألماً، ورغم أن (فانوس) تهرب مع أمها الى محافظة البصرة خائفة مذعورة، وتعيش في بيتها جدها لامها التي ورثته، الا أن الأذى لا يزال يطاردها، حيث سنشهد تفاصيل احداث (روب) زوجة ابيها تلك المرأة الشريرة سيئة السمعة، التي تحاول أن تجر (فاطمة) ابنة فانوس بعد أن كبرت وصارت في دور المراهقة الى حبائل الفسق والخطيئة، الا أن امها تنقذها في اللحظات الاخيرة، وتظهر (كوكا) وهي ابنة (روب)، حيث سيكون لها دور، عندما نشأت علاقة حب بين (فانوس) ووصلت حد عقد القران واعلان يوم الزفاف، الا أن (كوكا) تستطيع أن تسحب (غانم) اليها  ويتزوجها، وهذه الاحداث سنتابعها في الجزء الذي تنبري فيه (كوكا) لإدارة دفة الاحداث:

"تخلصت منها أخيراً، كم أمقتها رحلت بحقيبة ملابس رثة، لم يكن زواجها في الحسبان، غير أن أمي الشيطانة الكبيرة هي من خططت وارغمت عشيقها الي سهيل ليزج فانوس مع بنات الفصلية." (ص 74 )

بينما ينبري (غانم الطنطل) ليسرد لنا حكايته وهو يشعر بالندم لأنه خسر (فانوس)، ولم يتزوجها بسبب مكائد (روب) وابنتها (كوكا)

"أنا كتلة من اللهب، غلافها من الجليد، فلا الجليد يطفئ اللهب، ولا اللهب يذيب الجليد، أنا التناقض في كيان واحد.. كلا كلا أنا كومة من الهزائم الكبيرة والانتصارات الصغيرة، حاصرتنا الأيام بلا جدواها، فرحت أتصبر في بوتقة القهر والحرمان، عرفت الحرمان حين خسرتها، عرفت الخذلان حين تركتها، كيف جرؤت على طعنها في الصميم والتخلي عنها." (ص 64 )

وهكذا تدور الاحداث وبسياق منتظم الى نهاية الاحداث التي ينتصر فيه الوعي على الجهل، وصراع  المرأة المهمشة المسلوبة الارادة التي تجبر على حياة دون مستوى الطموح في ظل اعراف وتقاليد بالية وقاسية، لا تصلح ولا تناسب دور المرأة في المجتمع.

رواية "فانوس" للروائية ميادة سامي، قدمت لنا واقعية الحياة المرة، منقولاً الى عالم الدستوبيا المرفوضة.

من اصدارات دار الورشة الثقافية لعام 2025

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 05/08/2025   رقم المحتوى 65450
أضف تقييـم