النـص :
منذ بداياته في أواخرالثمانينيات اختار كاظم الساهر طريقا صعبا ولكنه كان ضروريا انه طريق الكلمة الرفيعة واللحن المتقن والصوت المدرب والمشروع الفني الطويل والمستمر لم يستسلم لموجات التبسيط أو الاستسهال، بل حافظ على هوية أصيلة تستمد من التراث أصالته وتعبر نحو الحداثة بوعي الحاضر والمعاصرة ،لقد برز كاظم الساهر في لحظة تاريخية كانت فيها الأغنية العربية تبحث عن هوية جديدة، في مواجهة موجات التجديد الغنائي ما بعد رحيل جيل العمالقة إبتداءا من أم كلثوم، عبد الحليم، فيروز، محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وغيرهم من المطربين والملحنين الذين قدموا إنجازات فنية مازالت راسخة في ذاكرة الجمهور فالساهر لم يدخل ميدان الموسيقى والغناء مقلدا ، بل اقتحمه مجددا وبذلك أعاد للأغنية العربية سمتها التعبيرية وعمقها الشعري، وثراءها الموسيقي في زمنٍ كانت فيه الألحان تتكرر والكلمات تُركب والصوت يُجمّل رقميا أصر الساهر أن تكون الأغنية فعلا جماليا متكاملا فقد رفض الأغنية السريعة الجاهزة واختار مشروعا إبداعيا متواصلا يقوم على الشراكة مع الشعراء والموسيقيين والموزعين، وليس الاستهلاك اللحظي وهذا كان احد العوامل التي ميزت الساهر بتجربته و طريقته في تحويل النص الشعري الى تجربة سمعية مكتملة وكان تعاونه مع الشعراء نزار قباني ، كريم العراقي ، طلال الرشيد ، فاروق جويدة ، أسعد الغريري ، بدر عبدالمحسن وآخرين قد شكل منعطفا مهما في الأغنية العربية الحديثة، حيث جعل من القصيدة لحظة وجدانية حاضرة يعيشها الجمهور، وفي ظل التقنيات الحديثة التي دخلت عالمنا وما أتاحته من امكانات الانتاج السريع والموسيقى التجارية، بقي كاظم الساهر محافظا على مبادئه الفنية ملتزما بتقديم الاجمل وموظفا التقنية بوعي ودقة للعمل الغنائي. فأغنيته ليست مجرد منتَج بل تجربة إنسانية تتطلب إصغاءا وتفاعلا وكفاءة في التلقي الإيجابي المتبادل لتجاربه الفنية
ففي ضوء محاور نظرية التلقي الجمالية،يمكن القول إن كاظم الساهر نجح في تقليص فجوة النص مع المتلقي، وتوسيع أفق التوقع، وحافظ على المسافة الجمالية المطلوبة التي تخلق لدى الجمهور شغف التلقي ودهشة الاكتشاف. فأعماله تطرح أسئلة وتستفز الوجدان لا تكتفي بإرضاء الأذن فقط
كل هذا جعل من تجربة الساهر الموسيقية والغنائية ان تستمر وتتفاعل طيلة هذه العقود بل تتميز وسط هذا الضجيج الصوتي وتبقى علامة فارقة في مسار الاغنية العربية المعاصرة.
|