النـص :
الماء سر الحياة، وأصل الوجود فيها، وبدونه تنعدم الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية لهذا قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) ( الأنبياء: ٣٠). والعراق يعتمد على المياه السطحية بشكل كبير حيث أن معظم موارده من المياه تأتي من نهر دجلة وروافده ونهر الفرات حيث تستفيد من هذين النهرين ثلاثة بلدان هي تركيا وسوريا والعراق وهذا يعني أن لكل بلد من هذه البلدان الثلاثة حصص من مياه هذين النهرين، وهذا يتطلب التنسيق بين هذه البلدان الثلاثة لتحديد حصة كل منها في مياه هذين النهرين، إلا أن وضع العراق غير المستقر بعد 2003 وما تلاه من فتن وازمات وسيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق، إضافة إلى ضعف المفاوض العراقي شجع الجانب التركي على استغلال هذا الوضع فأنشأ العديد من السدود على نهري دجلة والفرات وروافدهما حيث تم إنشاء 22 سداً على نهري دجلة والفرات بقدرة تخزينية لهذه السدود بحدود 100 مليار متر مكعب وأهم هذه السدود التي أنشأتها تركيا هي: سد كيبان، وسد كركاية، وسد أتاتورك وغيرها من السدود وأهم السدود التي أكملتها تركيا مؤخراً سد اليسو على نهر دجلة بالقرب من الحدود العراقية وبطاقة تخزينية مقدارها 11.14 مليار متر مكعب، وهذا السد سيتسبب بانخفاض الوارد المائي من نهر دجلة إلى العراق من 20.93 مليار متر مكعب إلى 9.70 مليار متر مكعب سنوياً وهذا سيحرم مساحة 3 مليون دونم من الأراضي الزراعية من المياه، وأمام إقامة هذه السدود من قبل تركيا نجد أن الحكومات العراقية المتعاقبة عاجزة عن مواجهة أزمة شح المياه وكأنها غير مدركة لخطورة هذا الوضع، فلا خطط تلوح بالأفق لمواجهة هذه الأزمة الخطيرة والتي تتفاقم سنة بعد أخرى، فالمفاوض العراقي لم يتمكن من الحصول على حصة ثابتة وعادلة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات مما يجعل العراق يواجه أزمة جفاف حقيقية وغير مسبوقة تعصف بالعراق، حيث صرح وزير الموارد المائية العراقي المهندس عون ذياب عبدالله أن العام 2025 سيكون من أصعب الأعوام التي تمر على العراق من حيث الشح المائي في ظل الانخفاض المستمر في الواردات المائية القادمة من دول الجوار وعلى رأسها تركيا، وهذا سيؤدي إلى توقف زراعة المحاصيل بالكامل خلال شهر أيلول نتيجة شحة المياه وهذا سيجعل العراق بحسب الخبراء سيواجه أسوء موسم جفاف منذ ما يقارب المائة عام، فهذا العام هو الأكثر جفافاً منذ 1933 بحسب وزارة الموارد المائية، فإيرادات نهري دجلة والفرات وصلت إلى 27% فقط مقارنةً بالعام الماضي، وأن مخزون المياه في السدود والخزانات قد انخفض إلى 8% من قدرتها التخزينية بنسبة تراجع بلغت 57% عن العام الماضي، ولا تقتصر أزمة شح المياه هذه على معاناة الفلاحين والقطاع الزراعي الذي تقلصت مساحته بنحو 50% خلال السنوات الأخيرة حسب تقديرات وزارة الزراعة، وإنما أثرت علي مياه الشرب أيضاً. وعلى الرغم أن دول الجوار تمر هي الأخرى بمواسم شح مشابهة إلا أنها أقل تأثراً بسبب امتلاكها شبكات متطورة من السدود والخزانات مقابل افتقار العراق لمثل هذه السدود والخزانات خاصة في المنطقة الشمالية، وفي مقابل هذا الوضع الخطير والأزمة الكبيرة لا حلول ولا معالجات حكومية عملية لمواجه أزمة شح المياه هذه تلوح بالأفق، مع أن الوضع يحتم على الأقل في الوقت الحاضر مع عدم التزام الجانب التركي بمنح العراق حصته من مياه نهري دجلة والفرات، وتحويل إيران لعدد من مسارات الأنهار، الشروع بحفر الآبار لمواجهه أزمة شح المياه هذه لغرض توفير موارد المياه الكافية لسقي المحاصيل الزراعية وذلك من خلال عمل وجهد حكومي وبالتنسيق والتعاون بين وزارتي الزراعة والري على ذلك، أو من خلال دعم الحكومة لمشاريع حفر الآبار من قبل الفلاحين والمزارعين لمواجهة أزمة شح المياه هذه، حتى لا يبقى العراقيون تحت رحمة تركيا التي تتصور أنها حينما تقوم بضخ اطلاقات مائية كأنها تتصدق على العراق، في حين أن للعراق حصة مائية من نهري دجلة والفرات، وله حق ثابت بالمياه من هذين النهرين، وهذه الحصة وهذا الحق للعراق كفله القانون الدولي له في وقت عجزت حكومات بغداد المتعاقبة منذ 2003 ولحد الآن من الحصول على هذا الحق، وضمان هذه الحصة، وإلزام الجارة تركيا بها!!
|